وينبغي له أن لا يقبل قول من يخذُلُه عن شيء مما ذكرناه، فإن هذا مما يبتلى به، وفاعل ذلك هو الصديق الجاهل العدوُّ الخفيُّ، فلا يقبَل تخذيلُه، وليجتهد في ختم عمره بأكمل الأحوال. ويستحبُّ أن يوصيَ أهلَه وأصحابَه بالصبر عليه في مرضه، واحتمال ما يصدر منه، ويوصيهم أيضًا بالصبر على مصيبتهم به، ويجتهد في وصيتهم بترك البكاء عليه، ويقول لهم:
صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكاءِ أهْلِهِ عَلَيْهِ"
ــ
عليه آخر كلامه. قوله:(وَلْيجتْهِدْ في ختم عُمُره بأكمل الأَحوالِ) أي من الصدق والإخلاص والتنقي عن سائر الرذائل والأدناس وسلامة الصدر مما يتعلق بأحد من الناس ليرتفع عنه بذلك كل بأس والله أعلم. قوله:(وَيُسْتَحبُّ أَنْ يُوصي أَهلَه وأَصْحَابَه بالصبرِ عَلَيْهِ) أي على خدمته أو على ما يبدو منه من سوء الخلق ونحوه وعلى الثاني قوله واحتمال الخ. كالتفسير لما قبله وعلى الأول فهو مغاير وبه يترجح الأول لما فيه من التأسيس الذي هو خير من التأكيد.
قوله:(صحَّ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنه قَال الميتُ يعذَّبُ ببكَاء أَهلِه عَلَيهِ) وفي رواية ليعذب قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح رواه الترمذي ورواه مسلم عن ابن عمر بلفظ إن الميت يعذب ببكاء الحي ولم يذكر عمرو وأخرجه الشيخان من رواية عمرو عن ابن عمر ومن رواية عبد الله ابن أبي مليكة عن ابن عمر عن عمر ولفظهما كرواية ابن شهاب أي يعذب الميت ببكاء أهله عليه وأخرجه مسلم من رواية نافع عن ابن عمر أن حفصة بنت عمر بكت على عمر فقال ألم تعلمي يا بنية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه وأخرجه الشيخان من رواية أبي موسى الأشعري عن عمر بلفظ إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه ومن رواية ابن عباس عن عمر بلفظ إن
الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه وفي هذا إشارة إلى أن بعض البكاء لا وعيد فيه وقد فسر ما فيه الوعيد بما اقترنت به نياحة ونحو ذلك وفيه أحاديث صحيحة والعلم عند الله اهـ، ورواه ابن ماجة من حديث عمر وسيأتي بيان الخلاف في تأويل هذا الخبر وأمثاله في باب تحريم النياحة