للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: "يا ابْنَ عَوْفٍ إنها رَحْمَةٌ، ثم أتبعها بأخرى فقال: "إنّ العَينَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلا نَقُولُ إلَّا ما يُرْضِي ربَّنا، وإنَّا بِفِرَاقِكَ يا إبْراهِيمُ لَمَحْزُونُونَ" والأحاديث بنحو ما ذكرته كثيرة مشهورة.

وأما الأحاديث الصحيحة: أن الميت

ــ

عن كل قبطي وورد من طرق ثلاثة من الصحابة لو عاش إبراهيم لكان نبيًّا وتأويله أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع ولا يظن بالصحابة الهجوم على مثل هذا الظن وأما إنكار المصنف كابن عبد البر فلعدم ظهور هذا التأويل عندهما وهو ظاهر والله أعلم. قوله: (تَذْرِفانِ) هو بالذال المعجمة والراء المكسورة من ذرف بفتح الراء أي يجري دمعهما ويتقاطر من رقة القلب الناشئة من عظيم الرحمة منه لولده. قوله: (وأَنتَ) تبكي قيل الواو عاطفة التقدير النّاس يبكون على موتاهم وأنت تبكي أيضًا يا رسول الله فربما يتوهم من بكائك خلاف المراد. قوله: (إِنهَا رحمةٌ) أي الدمعة ناشئة عن الرحمة على ما سبق تقريره. قوله: (بأُخْرَى) أي بدمعة أخرى أو بكلمة أخرى أي أتبع الكلمة الأولى المجملة وهي قوله إنها رحمة بكلمة أخرى مفصلة هي قوله إن العين تدمع الخ. قال السيد السمهودي في فتاواه وهذا الأخير أرجح اهـ. قوله: (العينَ تدمَعُ) أي اضطرارًا ناشئًا عن قضية الجبلة البشرية أو اختياريًّا للتشريع وبيان إنه لا ينافي ذلك كمال الرضا والشهود. قوله: (القلبَ يَحْزَنُ) أي على فراق الأحباب بمقتضى الجبلة. قوله: (ولا نَقول إِلَّا مَا يُرْضي ربّنا) أي ومنه {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ١٥٦]. قوله: (وَإنَّا بفرَاقِكَ الخ) بيّن به أن هذا لا ينافي الرضا ولا الحصر قبله لما تقرر إن الحزن أمر جبلي لا محذور فيه إنما المحذور فيما يكون معه عادة مما كان عليه الجاهلية ومن على طريقتهم. قوله: (والأحاديثُ بنحْو مَا ذكَرتُهُ الخ) أي كحديث جابر قال أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيد عبد الرحمن بن عوف فانطلق إلى ابنه إبراهيم فوجده يجود بنفسه فوضعه في حجره فبكى فقال له عبد الرحمن أتبكي وقد نهيت عن البكاء قال لا ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان وصوت عند نعمة ولولا إنه وعد حق وموعد صدق لحزنا عليه حزنًا هو أشد من هذا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون

<<  <  ج: ص:  >  >>