للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَا المُعزِّي بِبَاقٍ بَعْدَ مَيِّتِهِ ... وَلا المُعَزَّي وَلَوْ عَاشَا إلى حِينِ

وكتب رجل إلى بعض إخوانه يعزِّيه بابنه: أما بعد: فإن الولد على والده ما عاش حُزْن وفِتنةٌ، فإذا قدَّمه فصلاةٌ ورحمةٌ، فلا تجزع على ما فاتك من حُزْنه وفِتنته، ولا تُضيِّعْ ما عوَّضك الله من صلاته ورحمته.

وقال موسى بن المهدي لإبراهيم بن سالم وعزَّاه بابنه: أسَرَّك وهو بليَّةٌ وفتنةٌ، وأحزنك وهو صلواتٌ ورحمة؟ ! .

وعزَّى رجل رجلًا فقال: عليك بتقوى الله والصبر، فبه يأخذ المحتسب، وإليه يرجع الجازع. وعزَّى رجل رجلًا فقال: إنَّ من كان لك في الآخرة أجرًا، خير ممن كان لك في الدنيا سرورًا.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه دفن ابنًا له وضحك عند قبره، فقيل له:

ــ

(ثِقَةٍ) بكسر المثلثة مصدر حذف فاؤه كعده أي لست على وثوق الخلود وفي نسخة على طمع والخلود المكث الطويل وذلك إن الإنسان خفي عليه وقت وفاته وزمن انصرام حياته. قوله: (حزْنٌ) أي إن كان له عاقًا وفي الأمور شاقًّا. قوله: (وفِتْنَةٌ) أي إن كان بضد ذلك فإنه ربما يفتتن بمحبته بمقتضى الطبع البشري ويتقاعد بها عن نيل على المقام من الطاعات السنية والمقامات العلية قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: ٢٨]، أي فلا يفتتن المرء بهما فيؤثر محبتهما على ما عند الله تعالى فيجمع المال

ويؤثر حب الدنيا على طاعة الله عزّ وجل فإن الله عنده أجر عظيم. قوله: (فإِذَا قدَّمَهُ) بتشديد الدال أي إذا مات قبله واحتسب أجر مصيبته فيه عند ربه فهو له صلاة ورحمة قال تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: ١٥٧]. قوله: (ولا تضيِّعْ) مضارع من التضييع أي لا تتسبب في ضياع ما عوضك الله به عند الصلوات والرحمة بأن تفعل ما يمنع الأجر ويجلب الوزر. قوله: (والصَّبرِ فيهِ) أي في فقد المصاب به المفهوم من المقام. قوله: (يأخذُ المحتسِبُ) بالرفع فاعل يأخذ وحذف مفعوله للتعميم أي يأخذ المحتسب من جزيل الصلاة ما أشار إليه قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: ١٥٧]. قوله: (وإِليهِ) أي إلى الصبر يرجع الجازع لطول المدة وهون الشدة فتسلوا كما يسلوا البهائم ويذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>