للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتضحك عند القبر؟ قال: أردتُ أن أُرغِمَ أنف الشيطان. وعن ابن جريج رحمه الله قال: من لم يتعزَّ عند مصيبته بالأجر والاحتساب، سلا كما تسلو البهائم.

وعن حميد الأعرج قال: رأيت سعيد بن جبير رحمه الله يقول في ابنه ونظر إليه: إني لأعلم خير خَلَّة فيك، قيل: ما هي؟ قال: يموت فأحتسبه.

وعن الحسن البصري رحمه الله، أن رجلًا جزع على ولده، وشكا ذلك إليه، فقال الحسن:

كان ابنك يغيب عنك؟ قال: نعم كانت غيبتُه أكثر من حضوره، قال: فاتركه غائبًا، فإنه لم يغب عنك، غيبةُ الأجر لك فيها أعظم من هذه، فقال: يا أبا سعيد! هوَّنت عني وجْدي على ابني.

وعن ميمون بن مهران، قال: عزَّى

ــ

سروره وينعدم على تلك المصيبة لجزعه أجوره. قوله: (أْنْ أُرغِمَ أَنفَ الشَّيْطَانِ) بضم الهمزة مضارع أرغم يقال أرغم الله أنفه أي ألصقه بالتراب فهو كناية عن التحقير والاستقذار. قوله: (ابْنِ جُرَيجٍ) بجيم مضمومة بعدها راء مفتوحة ثم مثناة ساكنة ثم جيم. قوله: (مَنْ لمْ يَتعَزَّ عِنْدَ مُصِيبتِهِ بالأجرِ) أي من لم يتكلف من الصبر ومشقته عند نزول مصيبته ووجود صدقها بتذكر الأجر الذي وعد الله به من صبر واسترجع ووعده عزّ وجل لا يخلف. قوله: (سلا كَما تسلُوا البهائِم) أي نسي المصيبة وذهب عنه ألمها لتطاول الأزمان وتعاقب الليالي والأيام فيصير في ذلك كسلو البهائم التي ليس لها على مصائبها أجر والله أعلم، وقد عزى كلام ابن جريج هذا لعلي رضي الله عنه وعقده من قال:

وقال علي في التعازي لأشعث ... وخاف عليه بعض تلك الملائم

أتصبر للبلوى عزاء وحسبة ... فتؤجر أم تسلوا سلو البهائم

قوله: (أَنَّ رجلًا جزع عَلَى ولدِهِ) أي لموته وعظم ألم فقده. قوله: (وشكَا ذلكَ) أي إلى أبي

الحسن. قوله: (كَانَ ابنُك الخ) أي كان كما في نسخة. قوله: (فاتْرُكهُ غائبًا) أي فقدر إنه كان غائبًا متروكًا في غيبته لم يؤب من سفره فكما كنت صابرًا على فراقه في السفر فاصبر على فراق مماته وإن هذا الفراق أعظم ثوابًا لك وأجرًا. قوله: (وجْدِي) هو بفتح الواو وإسكان الجيم أي محبتي أو حزني فهو مشترك بين مصدري وجد على وزن فعل بمعنى أحب ومصدر فعل بالكسر معنى حزن كما في القاموس وغيره. قوله: (مَيمُونَ بنِ مهرَانَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>