للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كره مدحه كراهة شديدة.

فمن أحاديث المنع ما رويناه في "صحيح مسلم" عن المقداد رضي الله عنه "أن رجلاً جعل يمدح عثمان رضي الله عنه، فعمَد المقداد فجثا على ركبتيه فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيْتُمُ المَدَّاحِينَ فاحْثُوا في وجوهِهمُ

ــ

أمارات وليست مؤثرات فالاعتماد والركون لا يكون عليها إنما الاعتماد على مَنْ مَنَّ بها بفضله وإحسانه. قوله: (كره مدحه كراهة شديدة) يحتمل أن يكون وصف الكراهة بالشدة إشارة إلى الكراهة التحريمية ويحتمل أن يكون المراد المبالغة في الكراهة من غير انتهاء إلى التحريم وهذا الثاني أقرب لظاهر كلامه هنا ولو قيل بما سبق أول الباب من التفصيل لم يبعد والله أعلم.

قوله: (فمن أحاديث المنع ما رويناه في صحيح مسلم الخ) هو فيه من رواية همام بن الحارث عن المقداد ورواه أبو داود في سننه عن همام بن الحارث قال جاء رجل الخ وأخرج الترمذي عن عبد الله بن سخبرة قال: قام رجل يثني على بعض الخلفاء فجعل المقداد يحثي عليه التراب. قوله: (فعمد المقداد) أي قصد ردع المادح عمداً. قوله: (فجثا على ركبتيه) أي جلس عليهما وفعل ذلك لأنه كان ضخماً كما في رواية فلا يتمكن من حسو التراب على ما يريد إلا بذلك. قوله: (فجعل يحثو في وجهه الحصباء) هو بالواو من الحثو عند جميع رواته قال المصنف في شرح مسلم في أواخر الكتاب قال أهل اللغة: يقال حثيت احثي حثياً وحثوت أحثو حثواً لغتان وقد جاءت كلمات لأماتها وأوتارة

وياء أخرى جمعتها في مؤلف سميته "منهج من ألف فيما يرسم بالياء وبالألف" والحثو هو الحفن باليدين اهـ. والحصباء الحصى الصغار كما في النهاية والمراد به هنا ما كان قريباً من الرمل لأنه جاء في حديث الترمذي فجعل يحثو عليه التراب وفي حديث الباب أن المقداد استدل لفعله ذلك بأمره -صلى الله عليه وسلم- أن يحثو في وجوه المداحين التراب. قوله: (إذا رأيتم المداحين الخ) قال الديبع في تيسير الوصول المداحون هم الذين اتخذوا مدح النّاس عادة يستأكلون به الممدوح أما من مدح على الأمر

الحسن أو الفعل المحمود ترغيباً له في امتثاله وتحريضاً للناس على الاقتداء به في أشباهه فليس بمداح وهذا الأمر بالحثو قد حمله على ظاهره

<<  <  ج: ص:  >  >>