إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: تَعَوَّذْ بالله مِنَ الشيطانِ الرَّجِيمِ، فقال: وهل بي من جنون؟ ".
وروينا في كتابي أبي داود والترمذي بمعناه، من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،
ــ
المغضب. قوله:(إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الخ) هذه رواية منهم بالمعنى لا بخصوص المبنى الصادر منه - صلى الله عليه وسلم -. قوله:(فقال وهل بي من جنون) قال المصنف: هذا قول من لم يتفقه في دين الله ولم يتهذب
بأنوار الشريعة المكرمة ويوهم أن الاستعاذة مختصة بالجنون ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان ولهذا يخرج الإنسان عن اعتدال حاله ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم ومن ثم قال -صلى الله عليه وسلم- لمن قال له: "أوصني لا تغضب" فكرر السؤال فكرر الجواب، ولم يزد عليه ففيه دليل على عظيم مفسدة الغضب وما ينشأ منه وفي فتح الإله هذا الجواب إنما يصدر من منافق أو من جفاة العرب المنطوي على ما منع تأثير نور النبوة فيه وقد يعتذر عنه بفرض أنه من غير منافق بأن شدة سورة الغضب أدهشته عن أن يسمع ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- على وجهه وحمله على أنه بادر بهذا الكلام قبل تأمله فلذا لم يعاتبه -صلى الله عليه وسلم- وهذا أوضح من قول النووي هذا قول من لم يتفقه في دين الله الخ، قال ابن حجر الهيتمي نقلاً عن بعضهم في رواية أبي داود ذلك الرجل هو معاذ فإن صح أنه معاذ وأنه ابن جبل فيتعين تأويله على أنه وقع منه قرب إسلامه ومع ذلك يعتذر عنه بما تقدم آنفاً لأنه من أكابر الصحابة وقد قال في حقه -صلى الله عليه وسلم-: "أعلم أمتي بالحلال والحرام" معاذ بن جبل وولاه -صلى الله عليه وسلم- اليمن مدة طويلة فظهرت له آثار عظيمة وقال له -صلى الله عليه وسلم-: "يا معاذ إني أحب لك ما أحب لنفسي" فإذا فرغت من صلاتك فقل: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك فتأمل قوله: "أحب لك ما أحب لنفسي" بحد مرتبته تأبى ذلك القول وقد يؤيد ما تقرر فيه قوله وطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يوصيه قال: "لا تغضب" فقال: يا رسول الله أوصني فقال: "لا تغضب" فأعاد ذلك فقال: "لا تغضب" فهذا يدل على أنه كان عنده سورة غضب شديدة فوقع منه ما سبق لكن بالتأويل المذكور فتأمله اهـ، وقال الشيخ زكريا في حديث أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أوصني قال: "لا تغضب"