ولا أقول بقي ديناً حتى يقضي من تركته وإنما أقول يجب الوفاء تحقيقاً للصدق وعدم الإخلاف وتصير الواجبات ثلاثة: منها ما هو ثابت في الذمة ويطالب بإدائه وهو الدين على موسر وكل عبادة وجبت وتمكن منها، ومنها ما يثبت في الذمة ولا يجب أداؤه كهذا، قلت: قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في توشيح التوشيح بعد أن حكى عن والده أن أدلة الكتاب تقضي بوجوب الوفاء بالوعد وأذكر أني كتبت إليه مرة إنقاضاه وعداً:
يا مالكاً في وفاء الوعد مذهبه ... كما لك هات قد قلت الوفا يجب
كذا تلقيت هذا منك واسمي ... لم يزل إلى مثله التلقين ينتسب
يا من له أنا كسب وهو لي سبب ... فيما أروم ونعم الوالد السبب
أشرت إلى تلقين القاضي عبد الوهاب في مذهب الإِمام مالك رضي الله عنه، وبكوني كسباً له إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وإن أولادكم من كسبكم"، وبكونه سبباً إلى قول الفقهاء إن الوالد سبب وجود الولد اهـ، قال السخاوي: وسلك شيخنا أي الحافظ طريقاً أخرى قال: وينظر هل يمكن أن يقال يحرم الإخلاف ولا يجب الوفاء أي يأثم بالإخلاف وإن كان لا يلزم بوفاء ذلك قال: قلت ونظير ذلك نفقة القريب فإنها إذا مضت مدة يأثم بعدم الدفع ولا يلزم به ونحوه قولهم في فائدة القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة تضعيف العذاب عليهم في الآخرة مع عدم إلزامهم بالإتيان بها والله المستعان وقد أشار إلى هذا الاستشكال صاحب الخادم في آخر الهبة فقال: فإن قيل: فيجب الوفاء بالعهد للخروج عن الكذب فإنه حرام وترك الحرام واجب وقد ذكر الماوردي في الشهادات في الكلام على المروءة أن مخالفة الوعد كذب ترد به الشهادة، فالجواب ما قاله الغزالي في الإحياء إن إخلاف الوعد إنما يكون كذباً إذا لم يكن في عزمه حين الوعد الوفاء به أما لو كان عازماً عليه ثم بدا له ألا يفعل فليس بكذب لأنه حينئذٍ إخبار عما في نفسه وكان مطابقاً له فيكون صدقاً اهـ، وفي