للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ. ولو لم يقصد هذا، بل أطلق عبارة الكذب، فليس بحرام في هذا الموضع. قال أبو حامد الغزالي: وكذلك كل ما ارتبط به غرض مقصود صحيح له أو لغيره، فالذي له، مثل أن يأخذه ظالم، ويسأله عن ماله ليأخذه، فله أن ينكره، أو يسأله السلطان عن فاحشة بينه وبين الله تعالى ارتكبها، فله أن ينكرها ويقول: ما زنيت، أو ما شربت مثلاً. وقد اشتهرت الأحاديث بتلقين الذين أقروا بالحدود الرجوع عن الإقرار. وأما غرض غيره، فمثل أن يسأل عن سرِّ أخيه فينكره ونحو ذلك، وينبغي أن يقابل بين مفسدة الكذب والمفسدة المترتبة على الصدق، فإن كانت المفسدة في الصدق أشد ضرراً فله الكذب،

ــ

(مقصوداً صحيحاً) أي في نفس الأمر تدل عليه العبارة إلا أنه بعيد من ظاهرها. قوله: (بالنسبة إليه) أي مقصوده. قوله: (وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ) أي باعتبار معناه القريب. قوله: (فليس بحرام) أي لرجحان المصلحة المترتبة عليه على وصمة الكذب (وكذلك كل ما ارتبط به غرض مقصود) أو من شأنه أن يقصد صحيح أو جائز شرعاً. قوله: (ويقول ما زنيت) ستراً على نفسه. قوله: (وقد اشتهرت الأحاديث بتلقين الذين أقروا بالحدود الرجوع عن الإقرار) كقوله في الخبر الصحيح لماعز لعلك لمست لعلك قبلت ففيه جواز الكذب بذلك ستراً على نفسه ثم تلقين مصدر مضاف لمفعوله الأول والرجوع مفعوله الثاني. قوله: (عن سر أخيه) أي ما أسره وأخفاه أخوه مما يترتب على إذاعته ضرر. قوله: (فإن كانت المفسدة في الصدق) أي بسبب الصدق ففي بمعنى الباء ويصح إبقاؤها على معنى الظرفية إلا أنها ظرفية مجازية كالنجاة في الصدق أي باعتبار الغالب فلا ينافي ما ذكر من كون مفسدته أشد ضرراً من مفسدة الكذب. قوله: (فله الكذب) أي جائز والمراد من الجواز عدم الامتناع فيشمل وجوبه تارة وإباحته

<<  <  ج: ص:  >  >>