أي عودوا إلى ما يرضى به عنكم اهـ. وقيل المراد من قوله إليك أنبت رجعت إليك في أمري كله فيكون بمعنى قوله وعليك توكلت. قوله:(وبكَ خاصمتُ) أي بما أعطيتني من البرهان والحجج القولية أو بالنص ونحوه من الحجج الفعلية خاصمت أعداءك أعداء الدين فقصمت ظهورهم بالبراهين القوية أو قطعت دابرهم بالألسنة السنية. قوله:(وَإليْكَ حاكَمْت) أي جعلتك دون غيرك مما يتحاكم إليه في الجاهلية من كاهن وصنم وشيطان الحكم بيني وبين الأخصام في الدين الذين أبوا قبول ما جئت به كبرا وعنادا فلا أرضى إلا بحكمك ولا أتوكل إلَّا عليك لتحقق الحق وتبطل الباطل {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[الزمر: ٤٦]. قوله:(فاغْفرْ لِي) أي فبسبب ما مننت به علي من مقام الجمع الأكبر الذي شهدته في قولي أسلمت وما بعده ومقام الفرق الذي تضمنه قولي وبك خاصمت وما بعده اغفر لي وترتيب الغفران لما تقدم وتأخر على هذين المقامين كترتيبه على الفتح الأكبر الذي هذان المقامان من مقدماته وأسبابه في قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} [الفتح: ١ - ٢] الآية المشتمل على إتمام النعمة والنصر على الأعداء المسبب عن المخاصمة والمحاكمة المذكورين هنا قال ابن حجر في شرح المشكاة ثم سؤاله - صلى الله عليه وسلم - مغفرة ما ذكر على سبيل التواضع وأداء مقام العبودية والتعليم لأمته كذا في التوشيح وفي شرح الأنوار السنية ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذا من المغفرة من الإشفاق والاعتراف والاستسلام وخوف المكر فإنه لا يأمن من مكر الله إلَّا القوم الخاسرون ولتقتدي به أمته
ويشتد إشفاقهم بحسب حالهم من حاله ومقامهم من مقامه وسيأتي في أذكار الصلاة إن شاء الله تعالى زيادة في هذا المقام وفي التمهيد في هذا الحديث ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من المداومة على قيام الليل والإخبات عند قيامه والدعاء والتضرع والإخلاص والثناء