لا أحْصِي ثَنَاء عَلَيْكَ، أنْتَ كما أثْنَيتَ عَلى نَفْسِكَ".
ــ
عليه ثم لما تم قرب شهوده الذات وحدها استحى من الإتيان في هذا المقام لولا الخوف المزعج لباطنه والمخرج لكامنه بلفظ الإعاذة فانتقل منه إلى غاية الثناء وهي الاعتراف بالعجز والقصور عن إحصاء أدنى ذرة منه فقال. قوله:(لَا أُحصي ثناءً عليْكَ) أي لا أطيق أن أعد أو أحصر وأصل الإحصاء العد بالحصى لأنهم معتمدون في عندهم عليه كاعتمادنا فيه على الأصابع، ثناء عليك أي فردًا من أفراد الثناء الذي يلزم من العجز عن إحصائه أي ضبطه العجز عن ضبط ما زاد عليه ولذا نكر ثناء ليدل على العجز عن ضبط فرد من أفراد الثناء الواجب لك عليّ في كل لحظة وذرة إذ لا يخلو لمحة قط من وصول إحسان منك إليّ في كل ذرة من تلك الذرات فلو
أردت أن أحصي ما في طيها من النعم لعجزت لكثرتها جدًّا ({وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[إبراهيم: ٣٤] وروى مالك لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء عليك وإن اجتهدت في ذلك فأنا المقصر في شكر نعمك العاجز عن القيام بشيء من حقوقك فأسأل رضاك وعفوك وقيل المراد لا أطيق الثناء عليك أي لا أنتهي إلى غايته ولا أحيط بمعرفته كما قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث الشفاعة فأحمده بمحامد لا أقدر عليها الآن قال السيوطي في حاشيته على سنن النسائي وهذا أولى للحديث المذكور ولقوله في الحديث أنت كما أثنيت على نفسِك ومعنى ذلك اعتراف بالعجز عندما ظهر له من صفات جلاله تعالى وكماله وحمديته وقدوسيته وعظمته وكبريائه وجبروته ما لا ينتهي إلى عده ولا يوصل إلى حده ولا يحمله عقل ولا يحيط به فكر وعند الانتهاء إلى هذا المقام انتهت معرفة الأنام ولذلك قال الصديق الأكبر العجز عن درك الإدراك إدراك وقال بعض العارفين سبحان من رضي في معرفته بالعجز عن معرفته اهـ. ثم. قوله: (أَنتَ كمَا أَثنيْتَ إلخ) قيل أنت فيه تأكيد للكاف في قوله عليك لأن المقام للإطناب والتقدير لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت إلخ. قال ابن الجزري ولا يخفى ما فيه فقد روى النسائي في اليوم والليلة من حديث علي كرّم الله وجهه ولفظه لا أستطيع أن أبلغ ثناء عليك ولكن أنت كما أثنيت على نفسك فبطل ذلك التمحل اهـ، وقيل أنت مبتدأ على حذف مضاف تقديره ثناؤك المستحق كثنائك على نفسك فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانفصل وارتفع ذكره ابن عبد السلام جوابًا عما استشكل به ظاهر الخبر من تشبيه