وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة أيضًا، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في سجوده: "اللهُم اغْفِر لي ذَنبي كُلَّهُ دِقَّهُ وجلهُ، وأوَّلهُ وآخِرَهُ، وعَلانَيَتَهُ وَسِرَّهُ" دقه وجله: بكسر أولهما، ومعناه: قليله وكثيره.
واعلم أنه يستحب أن يجمع في سجوده جميع ما ذكرناه، فإن لم يتمكَّن منه في وقت أتى به أوقات، كما قدمناه في الأبواب السابقة، وإذا اقتصر يقتصر على التسبيح مع قليل من الدعاء، ويقدم التسبيح، وحكمه ما ذكرناه في أذكار الركوع من كراهة قراءة القرآن فيه وباقي الفروع.
فصل: اختلف العلماء في السجود في الصلاة والقيام أيهما أفضل؟ فمذهب الشافعي ومن وافقه: القيام أفضل.
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -
ــ
أورد الحديث المذكور قال العراقي في شرح الترمذي ذكر من حكمة ذلك أمور "أحدها"
إن العبد مأمور بإكثار الدعاء في السجود كما في تتمة الحديث والله تعالى قريب من السائلين كما قال تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة: ١٨٦] "الثاني" إن حالة السجود حالة خضوع وذل وانكسار لتعفير الساجد وجهه في التراب ولذا قال ابن مسعود ما حال أحب إلى الله تعالى أن يجد العبد فيه من أن يجده عافرًا وجهه رواه الطبراني في الكبير بسند حسن ومثله لا يقال من قبل الرأي "الثالث" السجود أول عبادة أمر الله بها بعد خلق آدم فكان المتقرب بها إلى الله أقرب منه في غيره "الرابع" إن فيه مخالفة لإبليس في أول ذنب عصي الله به من التكبر في السجود اهـ. قوله:(فأكثِروا الدعاءَ) أي فيه فإن ذلك القرب سبب لكل مغنم. قوله:(واعلم أَنهُ يُستحب أَنْ يجمَعَ في سجودِه إلخ) قال الحافظ لم أر ذلك صريحًا في حديث ولعله أخذه من الأحاديث المصرحة بأنه - صلى الله عليه وسلم - أطال السجود ولم يكن يطيله إلَّا بالذكر فاحتمل أن يكرر واحتمل أن يجمع والثاني أقرب لكن على هذا لا يختص بما ذكره الشيخ بل يضم إلى جميع ما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - قاله في سجوده وكذا ما ورد عنه من أدعية الصلاة فإنه منحصر في السجود وفيما بين التشهد والسلام اهـ، ولا يرد عليه ما تقدم من إنه - صلى الله عليه وسلم - دعا في ركوعه بقوله رب اغفر لي لأنه فيه يسير جدًّا فلقلته لم يتعرض لذكره.
فصل
قوله:(فمذهبُ الشافعي إلخ) ثم الأفضل بعده إطالة السجود ثم الركوع