للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عبد الله بن مسعود قال: ((ما رأيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ صلَّى صلاةَ لغيرِ وقتِها إلَّا بجمعٍ، فإنَّه جمعَ بينَ المغربِ والعشاءِ بجمعٍ، وصلَّى صلاةَ الصُّبح منَ الغدِ قبلَ وقتِها))، وهذا الحديث يبطل العمل بكلِّ حديث فيه جواز الجمع بين الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء، سواء كان في حضر أو سفر أو غيرهما. انتهى.

قلت: لم ينفِ عبد الله إلَّا الرؤية، فكيف يقال: إنَّ قوله: يبطل العمل بقول من أثبته؟!. انتهى.

وقال العَيني أيضًا: فإن قلت: في حديث ابن عمر: ((إذا جَدَّ بهِ السَّيرُ جمعَ بينَ المغربِ والعشاءِ بعدَ أنْ يغيبَ الشَّفقِ)) رواه أبو داود وغيره، وهذا صريح في الجمع في وقت إحدى الصَّلاتين، وقال النَّوَوي: وفيه إبطال تأويل الحنفيَّة في قولهم: إنَّ المراد بالجمع تأخير الأولى إلى آخر وقتها وتقديم الثانية إلى أوَّل وقتها، ومثله في حديث أنس: ((إذا ارتحلَ قبلَ أنْ تزيغَ الشَّمسُ أخَّرَ الظهرَ إلى وقتِ العصرِ ثمَّ نزلَ فجمعَ بينَهما))، وهو صريح في الجمع بين الصَّلاتين في وقت الثانية، والرواية الأخرى أوضح دلالة وهي قوله: ((إذا أرادَ أنْ يجمعَ بينَ الصلاتَين في السَّفر أخَّرَ الظهرَ حتَّى يدخلَ أوَّلُ وقتِ العصرِ ثمَّ يجمعُ بينَهما) وفي الرواية الأخرى: ((ويؤخِّرُ المغربَ حتَّى يجمعَ بينَها وبينَ العشاءِ حتَّى يغيبَ الشَّفقُ) قلت: الجواب عن الأوَّل أنَّ الشَّفق نوعان: أحمر وأبيض، كما اختلف العلماء من الصحابة وغيرهم فيه، ويحتمل أنَّه جمع بينهما بعد غياب الأحمر، فتكون المغرب في وقتها على قول من يقول: الشَّفق هو الأبيض، وكذلك العشاء تكون في وقتها على قول من يقول: الشَّفق هو الأحمر، ويطلق عليه إنَّه جمع بعد غياب الشَّفق، والحال إنَّه صلَّى كلَّ واحدة منهما في وقتها على اختلاف القولين في تفسير الشَّفق، وهذا مما فُتح لي من الفيض الإلهي! وفيه إبطال لقول من ادعى بطلان تأويل الحنفيَّة. انتهى.

قلت: يلزم على قول من يقول: الشَّفق هو الأبيض إخراجُ المغرب عن وقتها إن أوقعها بعد غيابه، وكذلك على قول من يقول: الشَّفق هو الأحمر، ويلزم على قول من يقول: الشَّفق هو الأبيض إخراج العشاء عن وقتها إن أوقعها قبل غيابه، ولا يتأتَّى لأحد أن يعتقد صحَّة المذهبين، فما هذا التأويل؟! ولهذا قال شيخنا: لا يشكُّ من تأمَّل كلام العَيني وفهمه بمقدار فهمه في تصرُّفه أنَّ هذا الفيض مختصٌّ به، فلذلك لا يرضى به من له أدنى تمييز. انتهى.

ثم قال: والجواب عن الثاني: أنَّ معنى قوله: ((أخَّرَ الظهرَ إلى وقتِ العصرِ)) أخَّره إلى آخر وقته الذي متصل به وقت العصر، فيصلِّي الظُّهر في آخر وقته، ثمَّ يصلِّي العصر متصلًا به في أوَّل وقت العصر، فيطلق عليه إنَّه جمع بينهما، لكنَّه فعلًا وقتًا، والجواب عن الثالث: أنَّ أوَّل وقت العصر مختلف فيه، وهو إمَّا بصيرورة ظلِّ كلِّ شيء مثله أو مثليه، فيحتمل أنَّه أخَّر الظُّهر إلى أن صار ظلُّ كلِّ شيء مثله، ثمَّ صلَّاها وصلَّى عقبها العصر، فيكون قد صلَّى الظُّهر في وقتها على قول من يرى أنَّ آخر وقت الظُّهر بصيرورة ظلِّ كلِّ شيء مثليه، ويكون قد صلَّى العصر في وقتها على قول من يرى أنَّ أوَّل وقتها بصيرورة ظلِّ كلِّ شيء مثله، ويصدق على من فعل هذا إنَّه جمع بينهما في أوَّل وقت العصر، والحال إنَّه قد صلَّى كلَّ واحدة منهما في وقتها على اختلاف القولين في أوَّل وقت العصر، ومثل هذا لو فعل المقيم يجوز فضلًا عن المسافر الذي يحتاج إلى التخفيف.

<<  <   >  >>