للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حنبل، غير أنَّ الشَّافعي اشترط في ذلك أن يكون المطر قائمًا في وقت افتتاح الصلاتين معًا، وكذلك قال أبو ثور، ولم يشترط ذلك غيرهما، وكان مالك يرى أن يجمع الممطور في الطين وفي حال الظلماء، وهو قول عُمَر بن عبد العزيز، وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي: يصلِّي الممطور كلَّ صلاة في وقتها. قال العَيني: هذا التأويل تردُّه الرواية الأخرى: ((مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ)) وأوَّله البعض على أنَّه كان في غيم، فصلَّى الظهر ثمَّ انكشفت وبان أنَّ أوَّل وقت العصر دخل فصلَّاها، قال النَّوَوي: وهذا باطل؛ فإنَّه وإنْ كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء. انتهى. قال شيخنا: وكأنَّ نفيه الاحتمال مبنيٌّ على أنَّه ليس للمغرب إلَّا وقت واحد، والمختار عنده خلافه، وهو أنَّ وقتها يمتد إلى العشاء، فعلى هذا فالاحتمال قائم. انتهى.

وأوَّله آخرون على أنَّه كان بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار، وقال النَّوَوي: وهو قول أحمد بن حنبل والقاضي الحسين من أصحابنا، واختاره الخطَّابي والمتولِّي والروياني من أصحابنا، وهو المختار لتأويله لظاهر الحديث، ولأنَّ المشقَّة فيه أشقُّ من المطر. انتهى. قال العَيني: هذا أيضًا ضعيف؛ لأنَّه مخالف لظاهر الحديث، وتقييده بعذر المطر ترجيح بلا مرجح وتخصيص بلا مخصص، وهو باطل. انتهى.

وقال شيخنا: وجوَّز بعضهم أنَّ الجمع لعذر المرض، وقوَّاه النووي، وفيه نظر؛ لأنَّه لو كان جمعه عليه السَّلام بين الصلاتين لعارض المرض لما صلَّى معه إلَّا من له نحو ذلك العذر، والظَّاهر أنَّه عليه السَّلام جمع بأصحابه، وقد صرَّح بذلك ابن عبَّاس في روايته. انتهى.

قال النَّوَوي: ومنهم من تأوَّله على أن الجمع المذكور صوريٌّ بأن يكون أخَّر الظهر إلى آخر وقتها وعجَّل العصر في أوَّل وقتها، قال: وهو احتمال ضعيف أو باطل؛ لأنَّه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل. انتهى.

قال شيخنا: وهذا الذي ضعفه استحسنه القُرْطُبي ورجَّحه قبله إمام الحرمين، وجزم به من القدماء ابن الماجِشُون والطَّحاوي، وقوَّاه ابن سيِّد النَّاس بأن أبا الشَّعثاء - وهو راوي الحديث عن ابن عبَّاس - قد قال به، وذلك فيما رواه الشيخان من طريق ابن عُيَيْنَة عن عَمْرو بن دينار، فذكر هذا الحديث وزاد: قلت: يا أبا الشعثاء، أظنُّه أخَّر الظُّهر وعجَّل العصر وأخَّر المغرب وعجَّل العشاء، قال: وأنا أظنُّه. قال ابن سيَّد النَّاس: وراوي الحديث أدرى بالمراد من غيره.

قلت لكن لم يجزم بذلك، بل لم يستمرَّ عليه، فقد تقدَّم كلامه لأيُّوب، وتحريره: أن يكون الجمع بعذر المطر، لكن يقوي ما ذكره من الجمع الصُّوري أنَّ طرق الحديث كلِّها ليس فيها صفة الجمع، فإمَّا أن تُحمل على مطلقها فتستلزم إخراج الصَّلاة عن وقتها المحدود بغير عذر، وإمَّا أن تُحمل على صفة مخصوصة ولا تستلزم الإخراج، ويجمع بها بين مفترق الأحاديث، والجمع الصُّوري أولى. انتهى.

قال العَيني: وأحسن التأويلات في هذا وأقربها إلى القبول إنَّه على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلَّاها فيه، فلمَّا فرغ منها دخلت الثانية فصلَّاها، ويؤيِّد هذا التأويل ويُبطل غيره ما رواه البخاري ومسلم من حديث

<<  <   >  >>