قوله:(ثُمَّ يَعَرُجُ الَّذِيْنَ بَاتُوا فِيْكُمْ) من: عرج يعرُج عروجًا، من باب قصر يقصُر، والعروج: الصعود، ويقال: عرج يعرج عروجًا إذا عجز من شيء أصابه، وعرج يعرج عرجًا إذا صار أعرج أو كان خِلقةً فيه، وعرَّج بالتشديد تعريجًا إذا قام.
وقد تقدَّم الكلام على قوله:(الَّذِيْنَ بَاتُوا فِيْكُمْ) قال شيخنا: اختلف في الاقتصار على سؤال الذين باتوا دون الذين ظلوا أي أقاموا في النَّهار فقيل هو من باب الاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر كقوله تعالى {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}[الأعلى: ٩] أي وإن لم تنفع وقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}[النحل: ٨١] أي والبرد وإلى هذا أشار ابن التِّين وغيره قيل الحكمة في الاقتصار على هذا الشقِّ دون الآخر أنَّ ملائكة اللَّيل مظنة المعصية فلما لم يقع منه عصيان مع إمكان دواعي الفعل مع إمكان الإخفاء ونحوه واشتغلوا بالطاعة كان النَّهار أولى بذلك فكان السؤال عن اللَّيل أبلغ من السؤال عن النَّهار لكون النَّهار محلِّ الاشتهار وقيل: الحكمة في ذلك أنَّ ملائكة اللَّيل إذا صلَّوا الفجر عرجوا في الحال وملائكة النَّهار إذا صلَّوا العصر لبثوا إلى آخر النَّهار لضبط بقيَّة عمل النَّهار. قال شيخنا: وهذا ضعيف؛ لأنَّه يقتضي أنَّ ملائكة النَّهار لا يسألون عن وقت العصر، وهو خلاف ظاهر الحديث كما سيأتي. قال العَيني: هذا الذي ذكره ضعيف؛ لأنَّ لبث ملائكة النَّهار لضبط بقيَّة عمل النَّهار لا يستلزم عدم السؤال. انتهى. ثمَّ هو مبني على أنَّهم الحفظة، وفيه نظر؛ لما سنبيِّنه، وقيل: بناء أيضًا على أنَّهم الحفظة أنَّهم ملائكة النَّهار فقط، وهم لا يبرحون عن ملازمة بني آدم، وملائكة اللَّيل هم الذين يعرجون ويتعاقبون، ويؤيِّده ما رواه أبو نُعَيم في «كتاب الصلاة» له من طريق الأسود بن يزيد النَّخَعي قال: يلتقي الحارسان - أي ملائكة اللَّيل وملائكة النَّهار- عند صلاة الصُّبح، فيسلِّم بعضهم على بعض، فتصعد ملائكة اللَّيل وتلبث ملائكة النَّهار.
وقيل: يحتمل أن يكون العروج إنَّما يقع عند صلاة الفجر خاصَّة، وأمَّا النُّزول فيقع في الصَّلاتين معًا وفيه التَّعاقب، وصورته: أن تنزل طائفة عند العصر وتبيت، ثمَّ تنزل طائفة ثانية عند الفجر، فتجتمع الطائفتان في صلاة الفجر، ثمَّ يعرج الذين باتوا فقط، ويستمرُّ الذين نزلوا وقت الفجر إلى العصر، فتنزل الطائفة الأخرى فيحصل اجتماعهم عند العصر أيضًا، ولا يصعد منهم أحد، بل تبيت الطائفتان أيضًا، ثمَّ تعرج إحدى الطائفتين ويستمرُّ ذلك، فتصحُّ صورة التَّعاقب مع اختصاص النُّزول بالعصر والعروج بالفجر، فلهذا خصَّ السؤال بالذين باتوا. والله أعلم.
وقيل: إنَّ قوله في هذا الحديث: (وَيَجْتَمِعُوْنَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ وَصَلَاةِ العَصْرِ) وهمٌ؛ لأنَّه ثبت من طرق كثيرة: أنَّ الاجتماع في صلاة الفجر من غير ذكر صلاة العصر كما في «الصحيحين» من طريق سعيد بن المُسَيَّب عن أبي هريرة في أثناء حديث فإن فيه: ((ويجتمع ملائكة اللَّيل وملائكة النَّهار في صلاة الفجر))، قال أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم: {وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}[الإسراء: ٧٨]، وفي التِّرْمِذي والنَّسائي من وجه آخر بإسناد صحيح عن أبي هريرة في قوله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ