عند الشَّافعي ومالك وأحمد، وعند أبي حنيفة تبطل صلاة الصُّبح بطلوع الشَّمس فيها، وقالوا: الحديث حجَّة على أبي حنيفة، وقال النَّوَوي: أبو حنيفة يبطل صلاة الصُّبح بطلوع الشَّمس فيها؛ لأنَّه دخل وقت النَّهي عن الصَّلاة بخلاف الغروب، والحديث حجَّة عليه.
قال العَيني: من وقف على ما أسس عليه أبو حنيفة عرف أنَّ الحديث ليس بحجَّة عليه، وعرف أنَّ غير هذا من الأحاديث حجَّة عليهم، فنقول: لا شكَّ أنَّ الوقت سبب للصلاة وظرف لها، ولكن لا يمكن أن يكون كلُّ الوقت سببًا؛ لأنَّه لو كان كذلك يلزم تأخير الأداء عن الوقت، فتعيَّن أن يجعل بعض الوقت سببًا، وهو الجزء الأوَّل؛ لسلامته عن المزاحم، فإن اتصل به الأداء تقرَّرت السَّببيَّة، وإلَّا تنتقل إلى الجزء الثَّاني والثالث والرابع وما بعده إلى أن يتمكَّن فيه من عند التحرية إلى آخر جزء من آخر الوقت، ثمَّ هذا الجزء إن كان صحيحًا بحيث لم ينسب إلى الشيطان، ولم يوصف بالكراهة كما في الفجر وجب عليه كاملًا، حتَّى لو عرض له الفساد في الوقت بطلوع الشَّمس في خلال الصَّلاة فسد خلافًا لهم؛ لأنَّ ما وجب كاملًا لا يتأدَّى بالناقص كالصَّوم المنذور المطلق أو صوم القضاء لا يتأدَّى في أيَّام النَّحْر والتَّشريق، وإن كان هذا الجزء ناقصًا كان منسوبًا إلى الشَّيطان كالعصر وقت الاحمرار وجب ناقصًا؛ لأنَّ نقصان السبب مؤثِّر في نقصان المتسبِّب، فيتأدَّى بصفة النقصان؛ لأنَّه أُدّي كما لزم، كما إذا أنذر صوم النَّحْر وأداه فيه، فإذا غربت الشَّمس في أثناء الصَّلاة لم يفسد العصر؛ لأنَّ ما بعد الغروب كامل فيتأدَّى فيه؛ لأنَّ ما يجب ناقصًا يتأدَّى كاملًا بالطريق الأولى.
فإن قلت: يلزم أن تفسد العصر إذا شرع فيه في الجزء الصحيح ومدَّها إلى أن غربت. قلت: لما كان الوقت مُتَّسِعًا جاز له شغل كلِّ الوقت، فيعفى الفساد الذي يتصل به بالبناء؛ لأنَّ الاحتراز عنه مع الإقبال على الصَّلاة متعذِّر.
وأمَّا الجواب عن الحديث المذكور: فهو ما ذكره الإمام الحافظ أبو جعفر الطَّحاوي رحمه الله، وهو أنَّه يحتمل أن يكون معنى الإدراك في الصبيان الذين يدركون -يعني يبلغون قبل طلوع الشَّمس- والحيِّض اللاتي يطهرن، والنَّصارى الذين يسلمون؛ لأنَّه لما ذكر في هذا الإدراك ولم يذكر الصَّلاة فيكون هؤلاء الذين سمَّيناهم ومن أشبههم مدركين لهذه الصَّلاة، فيجب عليهم قضاؤها وإن كان الذي بقي عليهم من وقتها أقلُّ من المقدار الذي يصلُّونها فيه.
فإن قلت: ما تقول فيما رواه أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمسُ فليُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبح قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمسُ فليُتِمَّ صَلَاتَهُ)) رواه البخاري والطَّحاوي أيضًا، فإنه صريح في ذكر البناء بعد طلوع الشَّمس.
قلت: قد تواترت الآثار عن النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بالنَّهي عن الصَّلاة عند طلوع الشَّمس ما لم تتواتر بإباحة الصَّلاة عند ذلك، فدلَّ ذلك أنَّ ما كان فيه الإباحة كان منسوخًا بما فيه التواتر بالنَّهي.