للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والذي تذكره احتمال، وهل يثبت النَّسخ بالاحتمال؟

قلت: حقيقة النَّسخ هنا إنَّه اجتمع في هذا الموضع محرِّم ومبيح، وقد تواترت الأخبار والآثار في باب المحرِّم ما لم تتواتر في باب المبيح، وقد عرف من القاعدة: أنَّ المحرِّم أو المبيح إذا اجتمعا يكون العمل للتحريم، ويكون المبيح منسوخًا؛ وذلك لأنَّ الناسخ هو المتأخِّر، ولا شكَّ أنَّ الحرمة متأخِّرة عن الإباحة؛ لأنَّ الأصل في الأشياء الإباحةُ والتحريمُ عارضٌ، ولا يجوز العكس؛ لأنَّه يلزم النَّسخ مرَّتين، فافهم؛ فإنَّه كلام دقيق قد لاح لي من الأنوار الإلهيَّة.

فإن قلت: إنَّما ورد النَّهي المذكور عن الصَّلاة في الطُّلوع خاصَّة، وليس بنهي عن قضاء الفرائض. قلت: دلَّ حديث عِمْران بن حُصَين الذي خرجه البخاري ومسلم وغيرهما على أنَّ الصَّلاة الفائتة قد دخلت في النَّهي عن الصَّلاة عند طلوع الشَّمس وعند غروبها، وعن عِمْران أنَّه قال: ((سَرَيْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، أَوْ قَالَ: فِي سَرِيْةٍ، فَلَمَا كَانَ آخِرُ السَّحَرِ عَرَّسْنَا، فَمَا اسْتَيْقَظْنَا حتَّى أَيْقَظَنَا حَرُّ الشَّمْسِ)) الحديث، وفيه أنَّه عليه السَّلام أخَّر صلاة الصُّبح حين فاتت عنهم إلى أن ارتفعت الشَّمس، ولم يصلِّها قبل الارتفاع، فدلَّ ذلك أنَّ النَّهي عامٌّ يشمل الفرائض والنوافل، والتخصيص بالتطوع ترجيح بلا مرجح. هذا كلُّه كلام العيني.

قلت: وفي هذا الحديث الذي استدلَّ به على أنَّ النَّهي عامٌّ ما يبطل قوله، وهو قول عِمْران: (فَمَا اسْتَيْقَظَنَا حتَّى أَيْقَظَنَا حَرُّ الشَّمْسِ) وحرُّها لا يكون إلَّا بعد ارتفاعها، وهو لا يقول: إنَّ النَّهي يكون في حالة الارتفاع، وتأخيره عليه السَّلام لم يكن لأجل طلوع الشَّمس، إنَّما هو لأجل الشَّيطان الذي في ذلك الوادي، وقول العَيني: كالصَّوم المنذور المطلق إلى آخره، معارضّةٌ لنصٍّ بالقياس، وفي غالب ما قاله نظر، ولا شكَّ أنَّ حديث الباب حجَّةٌ عليه كما قاله النَّوَوي وغيره؛ لأنَّه عليه السَّلام أمر بإتمامها بعد طلوع الشَّمس، ونهيه عن الصَّلاة عند الطلوع هو أن يبتدئ المصلِّي الصَّلاة في حالة الطُّلوع، لا أن يبتدئ قبل الطُّلوع، فقد روى مسلم عن عُقْبَة بن عامر رضي الله عنه قال: ((ثلاثُ ساعاتٍ كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم ينهَانا أنْ نصلِّي فيهنَّ أو نقبُرَ فيهنَّ موتَانا: حينَ تطلعُ الشَّمسُ بازغةً حتَّى ترتفعَ، وحينَ يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتَّى تميلَ الشَّمسُ، وحينَ تضيَّفُ للغروبِ)) فالظهيرة: شدَّة الحرِّ، وقائمها: البعير يكون باركًا فيقوم من شدَّة حرِّ الأرض، وتضيّف للغروب: أي مالت إليه، ومنه الضيف؛ لميله إلى المضيف وميلِ المضيف إليه، والله أعلم.

قال العَيني: وفيه أنَّ أبا حنيفة ومن تبعه استدلُّوا بالحديث المذكور أنَّ آخر وقت العصر هو غروب الشَّمس؛ لأنَّ من أدرك منه ركعة أو ركعتين مدركٌ له، فإذا كان مدركًا يكون ذلك الوقت من وقت العصر؛ لأنَّ معنى قوله: (فَقَدْ أَدْرَكَ) وجوبها، حتَّى إذا أدرك الصبي قبل غروب الشمس، أو أسلَّم الكافر أو أفاق المجنون أو طهرت الحائض تجب عليه صلاة العصر ولو كان الوقت الذي أدركه جزأ يسيرًا لا يسع فيه الأداء، وكذلك الحكم قبل طلوع الشَّمس. انتهى.

قلت: هذا الذي قاله العَيني معناه صحيح، وأمَّا تفسيره الحديث بذلك فغير مسلَّم. انتهى.

قال: وقال زُفَر رحمه

<<  <   >  >>