للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

القُرآنَ، فَعَمِلنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعطِينَا قِيرَاطَينِ قِيرَاطَينِ، فَقَالَ: أَهلُ الكِتَابَينِ: أَي رَبُّ، أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءِ قِيرَاطَينِ قِيرَاطَينِ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيْرَاطًا قِيْرَاطًا، وَنَحنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا؟ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجرِكُم مِنْ شَيءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: هُوَ فَضْلِي أُوتِيْهِ مَنْ أَشَاءُ).

مطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله: (إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ) فدلَّ على أنَّ وقت العصر إلى غروب الشمس، وأنَّ من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب فقد أدرك، وفيها فليتمَّ ما بقي.

قال العَيني: وهذا المقدار بطريق الاستئناس الإقناعي، لا بطريق الأمر البرهاني، ولهذا قال ابن المنيِّر: هذا الحديث مثال لمنازل الأمم عند الله تعالى، وإنَّ هذه الأمَّة أقصرها عمرًا وأقلُّها عملًا وأعظمها ثوابًا.

ويستنبط منه للبخاري بتكلُّف في قوله: (فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ) فدلَّ أنَّ وقت العمل ممتدٌّ إلى غروب الشَّمس، وإنَّه لا يفوت، وأقرب الأعمال المشهور بهذا الوقت صلاة العصر، وهو من قبيل الأخذ بالإشارة، لا من صريح العبارة، فإن الحديث مثال، وليس المراد عملًا خاصًا بهذا الوقت، بل المراد سائر أعمال الأمَّة من سائر الصَّلوات وغيرها من سائر العبادات في سائر مدَّة بقاء الأمَّة إلى قيام السَّاعة، وكذا قال أبو المعالي الجُوَيني: فإن الأحكام لا تتعلَّق بالأحاديث الَّتي تأتي لضرب الأمثال، فإنه موضع تجوُّزٍ.

قال شيخنا: وما أبداه مناسب لإدخال هذا الحديث في أبواب أوقات العصر لا بخصوص الترجمة، وهي: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ) بخلاف ما أبداه المُهَلَّب. وقال المُهَلَّب: إنَّما أدخل البخاري هذا الحديث والحديث الذي بعده في هذا الباب لقوله: (ثُمَّ أُوْتِيْنَا القُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِيْنَا قِيْرَاطَيْنِ) ليدلَّ على أنَّه يستحقُّ بعمل البعض أجر الكلِّ مثل الذي أعطي من العصر إلى اللَّيل أجر النَّهار كلِّه، فمثله كالذي أعطي على ركعة أدرك وفيها أجر الصَّلاة كلِّها في آخر الوقت.

قال شيخنا: وتكملة ذلك أن يقال: إنَّ فضل الله الذي أقام به عمل ربع النَّهار مقام عمل النَّهار كلِّه هو الذي اقتضى أن يقوم إدراك الركعة الواحدة من الصَّلاة الرباعيَّة الَّتي هي العصر مقامَ إدراك الأربع في الوقت، فاشتركا في كون كلٍّ منهما ربع العمل، وحصل بهذا التقرير الجواب عمَّن استشكل وقوع الجميع أداءً مع أنَّ الأكثر إنَّما وَقَعَ خارج الوقت، فيقال في هذا ما أجيب به أهل الكتابين: ذلك فضل الله يُؤتيه من يشاء. انتهى.

وقال صاحب «التلويح» فيه بعدٌ: فإنه لو قال: إنَّ هذه الأمَّة أعطيت ثلاثة قراريط لكان أشبه، ولكنها ما أعطيت إلَّا بعض أجر جميع النَّهار، نعم عملت هذه الأمَّة قليلًا فأخذت كثيرًا، ثمَّ هو أيضًا منفك عن محلِّ الاستدلال؛ لأنَّ عمل هذه الأمَّة آخر النَّهار كان أفضل من عمل المتقدِّمين قبلها، ولا خلاف أنَّ صلاة العصر متقدِّمة أفضل من صلاتها متأخِّرة، ثمَّ هذا من الخصائص المستثناة عن القياس، فكيف يقاس عليه؟ ألا ترى أن صيام آخر النَّهار لا يقوم مقام جملته؟ وكذا سائر العبادات. انتهى.

قال العَيني: كلُّ ما ذكروا ههنا لا يخلو عن تعسُّف، وقوله: لا خلاف، غير موجَّه؛ لأنّ الخلاف موجود في تقديم صلاة العصر وتأخيرها، وقياسه على الصَّوم

<<  <   >  >>