للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المعنى بعينه مقصودًا في أمر آخر وبأنَّه ليس في الخبر نصَّ على أنَّ كلًّا من الطائفتين أكثر عملًا؛ لصدقَ أنَّ كلَّهم مجتمعين أكثر عملًا من المسلمين، وباحتمال أن يكون أطلق ذلك تغليبًا، وباحتمال أن يكون ذلك قول اليهود خاصَّة، فيندفع الاعتراض من أصله كما جزم به بعضهم، ويكون نسبة ذلك للجميع في الظَّاهر غيرَ مرادةٍ، بل هو عموم أريد به الخصوص، وبأنه لا يلزم من كونهم أكثر عملًا أن يكونوا أكثر زمانًا؛ لاحتمال كون العمل في زمهم كان أشقَّ، ويؤيده قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: ٢٨٦]. انتهى.

في حديث الباب تفضيل هذه الأمَّة وتوقير أجرها مع قلَّة العمل، وإنَّما فُضِّلت لقوَّة يقينها ومراعاة أصل دينها، فإن زلَّت فأكثر زلَلِها في الفروع بخلاف من كان قبلهم، كقولهم: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا} [الأعراف: ١٣٨] وكامتناعهم من أخذ الكتاب حين نتق الجبل فوقهم، و {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} [المائدة: ٥٤].

قال شيخنا: ومما يؤيِّد كون المراد كثرة [العمل] (١) وقلَّته لا بالنسبة إلى طول الزَّمان وقصره، كون أهل الأخبار متفقين على أنَّ المدَّة الَّتي بين عيسى ونبينا عليه السَّلام دون المدَّة الَّتي بين نبينا وقيام [السَّاعة] (٢) لأنَّ جمهور أهل المعرفة قالوا: إنَّ مدَّة الفترة بين عيسى ونبيِّنا ستمائة سنة وسيأتي الخلاف فيه، وهذه مدَّة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك، فلو تمسَّكنا بأن المراد التمثل بطول الزمانين وقصرهما للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظُّهر ولا قائل به، فدلَّ على المراد كثرة العمل وقلَّته، والله أعلم. انتهى.

وفيه ما استنبطه بعضهم: أنَّ مدَّة المسلمين من حين ولد سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى قيام السَّاعة ألف سنة، وذلك أنَّه جعل النَّهار نصفين، الأوَّل لليهود فكانت مدَّتهم ألف سنة وستمائة سنة وزيادة في قول ابن عبَّاس رواية أبي صالح عنه، وفي قول ابن إِسْحاق ألف سنة وتسعمائة سنة وتسع عشرة سنة، وللنصارى كذلك، فكانت مدَّة النصارى الَّتي لا يختلف النَّاس إنَّه كان بين عيسى ونبيِّنا عليه السَّلام ستمائة سنة، فبقي للمسلمين ألف سنة وزيادة.

قال شيخنا: قال جمهور أهل المعرفة بالأخبار: إنَّ مدَّة الفترة بين عيسى ونبيِّنا عليهم السَّلام ستمائة سنة، وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سلمان، وقيل: إنَّها دون ذلك، حتَّى جاء عن بعضهم: إنَّه مائة وخمس وعشرون سنة. انتهى.

قال العَيني: وفيما قاله: أي من قوله: (التي لا تختلف الناس) إلى آخره، نظر من حيث إنَّ الخلاف في مدَّة الفترة، فذكر الحاكم في «الإكليل» : إنَّها مائة وخمس وعشرون سنة، وذكر: إنَّها أربعمائة سنة، وقيل: خمسمائة وأربعون سنة، وعن الضَّحَّاك: أربعمائة وبضع وثلاثون سنة، وقد ذكر السُّهَيلي أنَّ جعفر بن عبد الواحد الهاشمي حدَّث بحديث مرفوع: ((إنْ أحسنَت أمَّتي فبقاؤها يومٌ من أيَّام الدُّنْيا وذلك ألف سنة، وإنْ أساءت فنصف يوم) وفي حديث زمل الخزاعي قال: ((رأيتك يا رسول الله على منبر له سبع


(١) العمل: ليس في الأصل، وإنما أثبتت من فتح الباري.
(٢) الساعة: ليس في الأصل، وإنما أثبتت من فتح الباري.

<<  <   >  >>