للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكيف يعطى القيراط من حبط عمله بكفره؟! وأورده ابن [التِّين] (١) قائلًا: قال بعضهم: ولم ينفصل عنه، وأجيب بأنَّ المراد من مات منهم مسلمًا قبل التبديل والتغيير، وعبَّر بالعجز لكونهم لم يستوفوا عمل النَّهار كلِّه وإن كانوا قد استوفوا عمل ما قدِّر لهم، فقوله: (عَجِزُوا) أي عن إحراز الأجر الثَّاني دون الأوَّل، لكن من أدرك منهم النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم وآمن به أعطي الأجر مرَّتين كما سبق مصرَّحًا به في كتاب الإيمان.

قوله: (ثُمَّ أُوْتيَ أَهْلُ الإِنْجِيْلِ الإِنْجِيْلَ) الأوَّل مجرور بالإضافة، والثاني منصوب على المفعوليَّة.

قوله: (فَقَالَ أَهلُ الكِتابَينِ) أي التوراة والإنجيل.

قوله: (أَيْ رَبَّنَا) كلمة (أَيْ) من حروف النِّداء، يعني: يا ربَّنا، ولا تفاوت في إعراب المنادى بين حروفه.

قوله: (وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا) قال الإسماعيلي: إنَّما قالت النَّصارى: نحن أكثر عملًا؛ لأنَّهم آمنوا بموسى وعيسى عليهما السَّلام. قال العَيني: النَّصارى لم يؤمنوا بموسى عليه السَّلام، على ذلك جماعة الإخباريين، وأيضًا قوله: (وَنَحْنُ أَكْثَرَ عَمَلًا) حكاية عن قول أهل الكتابين.

وقال الكِرْماني: قول اليهود ظاهر؛ لأنَّ الوقت من الصُّبح إلى الظهر أكثر من وقت العصر إلى المغرب، وقول النَّصارى لا يصحُّ إلَّا على مذهب الحنفيَّة حيث يقولون: العصر هو مصير ظلِّ الشيء مثليه، وهذا من جملة أدلَّتهم على مذهبهم. قال العَيني: هذا الذي ذكره هو قول أبي حنيفة وحدَه، وغيره من أصحابه يقولون: مثله. انتهى.

قال شيخنا: تمسَّك به بعض الحنفيَّة كأبي زيد - أي الدَّبُوسي - في «كتاب الأسرار» إلى أنَّ وقت العصر من مصير ظلِّ كلِّ شيء مثليه؛ لأنَّه إذا كان كذلك كان قريبًا من أوَّل العاشرة، فيكون إلى الغروب ثلاثة ساعات غير شيء يسير، ويكون النَّصارى عملوا أيضًا ثلاث ساعات وشيئًا يسيرًا، وهو من أوَّل الزَّوال إلى أوَّل السَّاعة العاشرة، وهو إذا صار ظلُّ الشيء مثله؛ لأنَّه لو كان من مصير ظلِّ كلِّ شيء مثله لكان مساويًا لوقت الظُّهر وقد قالوا: (كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا) فدلَّ على أنَّه دون وقت الظُّهر، وأجيب بمنع المساواة، وذلك معروف عند أهل العلم بهذا الفن، وهو أنَّ المدَّة الَّتي بين الظُّهر والعصر أطول من المدَّة الَّتي بين العصر والمغرب.

قال العَيني: لا يخفى على كلِّ أحدٍ أنَّ وقت العصر لو كان بمصير ظلِّ كلِّ شيء مثله يكون وقت الظُّهر الذي إلى مصير ظلِّ كلِّ شيء مثليه وقت العصر الذي يقول وقته بمصير ظل ِّكلِّ شيء مثله، ومع هذا أبو زيد ما ادَّعى المساواة بالتحقيق. انتهى.

قال شيخنا: وأمَّا ما نقله بعض الحنابلة عن الإجماع على أنَّ وقت العصر ربع النَّهار، فمحمول على التقريب إذا فرعنا على أنَّ وقت العصر مصير الظلِّ مثله كما قال الجمهور، فأما على قول الحنفيَّة فالذي من الظُّهر إلى العصر أطول قطعًا، وعلى التنزل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كلِّ جهة. قال العَيني: ما ادعي هو التسوية من كلِّ جهة حتَّى يعترض عليه.

قال شيخنا: وبأن الخبر إذا ورد في معنىً مقصودٍ لا يؤخذ منه المعارضة لما ورد في ذلك


(١) التِّين: ليس في الأصل، وإنما أثبتت من فتح الباري.

<<  <   >  >>