بهم، وقالَ: لولا الضعيفُ والسقيمُ لأحببْتُ أنْ أؤخِّرَ هذهِ الصَّلاة إلى شطرِ اللَّيلِ).
وروى التِّرْمِذي من حديث أبي هريرة: (لولا أنْ أشقَّ على أمَّتي لأمرْتُهم أنْ يؤخِّرُوا العشاءَ إلى ثلثِ اللَّيلِ أو نصفِه). وروى أبو داود من حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه يقول: (بَقَينا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في صلاةِ العتمةِ فتأخَّرَ حتَّى ظنَّ ظانٌّ إنَّه ليسَ بخارجٍ، والقائلُ منَّا يقولُ: صلَّى وأنا كذلك حتَّى خرجَ النَّبِيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالُوا له كما قالُوا، فقال: أعتمُوا بهذِه الصَّلاة فإنَّكم قد فُضِّلْتُمْ بها على سائرِ الأممِ، ولم تُصَلِّها أمَّة قبلَكم).
قوله في رواية أبي داود: (بَقَينا) -بفتح القاف- أي انتظرناه، يقال: بقيت الرجل أبقيته إذا انتظرته، وأخرج أبو داود أيضًا عن عبد الله بن عُمَر: ((مَكَثْنَا ذَاتَ ليلةٍ ننتظرُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لصلاةِ العشاء: فخرجَ إلينا حينَ ذهبَ ثُلُثُ اللَّيلِ أو بعده، فلا ندري أشيء شغله أم غير ذلك؟ فقالَ حينَ خرجَ: أتنتظرون هذِه الصَّلاة؟ لولا أن تثقل على أمَّتي لصلَّيت بهم هذه الساعة، ثمَّ أمر المؤذِّن فأقام الصَّلاة)). وأخرجه مسلم والنَّسائي أيضًا.
قوله: (نُزُوْلًا) جمع: نازل، كشهود جمع شاهد.
قوله: (فِي بَقِيْعِ بُطْحَانَ) البقيع -بفتح الباء الموحَّدة وكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة- وهو من الأرض: المكان المُتَّسِع، ولا يسمَّى بقيعًا إلَّا وفيه شجر أو أصولها، و (بُطْحَانَ) -بضمِّ الباء الموحَّدة وسكون الطَّاء المهملة وبالحاء المهملة، غير منصرف-: وادٍ بالمدينة، وقال ابن قرقول: (بُطْحَانَ) بضمِّ الباء، يرويه المحدِّثون أجمعون، وحكى أهل اللغة فيه بُطحان، بفتح الباء وكسر الطاء، وكذلك قيَّده أبو المعالي في (تاريخه) وأبو حاتم، وقال البَكْري: بفتح أوَّله وكسر ثانيه، على وزن: فعلان، لا يجوز غيره.
قوله: (نَفَرٌ) مرفوع لأنَّه فاعل: يتناوب، والنَّفَر عدَّة رجال من ثلاثة إلى عشرة.
قوله: (فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ) بلفظ المتكلِّم.
قوله: (وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ) جملة حاليَّة، وجاء تفسير: بعض الشُّغل، في «معجم الطَّبَرَاني» من وجه صحيح عن الأَعْمَش عن أبي سُفْيان عن جابر: (كانَ في تجهيزِ جيش)، قال شيخنا: ففيه دلالة على أنَّ تأخير النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى هذه الغاية لم يكن قصدًا ومثله قوله في حديث ابن عُمَر الآتي قريبًا ((شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً)) وكذا قوله في حديث عائشة رضي الله عنها ((فَاعْتَمَ بِالصَّلَاةِ لَيْلَةً)) يدلُّ على أنَّ ذلك لم يكن من شأنه. والفيصل في هذا حديث جابر: ((كَانُوا إِذَا اجْتَمَعُوا عَجَّلَ وَإِذَا أَبْطَؤُوا أَخَّرَ)). انتهى.
قوله: (فَأَعْتَمَ بِالصَّلَاةَ) أي: أخَّرها عن أوَّل وقتها.
قوله: (حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ) -بالموحَّدة وتشديد الرَّاء على وزن: إفعال إحمار- أي طلعت نجومه واشتبكت، والباهر الممتلئ نورًا، قاله أبو سعيد الضَّرير.
وعن سيبويه: ابهارَّ اللَّيل كثرة ظلمته، وابهارَّ القمر، كثر ضوؤه، ذكره في «الموعب» وفي «المحكم» : إبهار اللَّيل إذا تراكمت ظلمته، وقيل: إذا ذهبت عامَّته، وفي «الصِّحاح» : إبهار اللَّيل ابهيرارًا: إذا ذهب معظمه وأكثره، وإبهارَّ علينا اللَّيل أي: طال.
وعند مسلم من رواية أمِّ كلثوم عن عائشة: ((حتى ذهب عامَّة اللَّيل)) قال الأَصْمَعي: ابهارَّ انتصف، مأخوذ من بهور الشيء وهو وسطه ويؤيِّده أنَّ في بعض الروايات حتَّى إن كان قريبًا