وفي «مصنَّف» ابن أبي شَيْبَة عن أبي العالية قال: ((لَا تَصلحُ الصَّلاة بعد العَصْرِ حتَّى تغيبَ الشَّمس وَبَعْدَ الصُّبح حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ))، قال: وكان عُمَر يضرب على ذلك، وعن الأَشْتَر قال: كان خالد بن الوليد يضرب النَّاس على الصَّلاة بعد العصر، وكرهها سالم ومحمَّد بن سيرين، وعن ابن عُمَر قال: صلِّيت مع النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومع أبي بكر وعمر وعثمان، فلا صلاة بعد الغداة حتَّى تطلع الشمس، وقال أبو سعيد: تمر يأتي بزبد أحبُّ إليَّ من صلاة بعد العصر، وعن ابن مسعود: كنا نُنهى عن الصَّلاة عند طلوع الشَّمس وعند غروبها، وقال بلال: لم ينه عن الصَّلاة إلَّا عند غروب الشمس، لأنَّها تغرب في قرن شيطان؛ ورأى أبو مسعود رجلًا يصلِّي عند طلوع الشَّمس فنهاه، وكذا شُرَيح، وقال الحسن: كانوا يكرهون الصَّلاة عند طلوع الشَّمس حتَّى ترتفع، وعند غروبها حتَّى تغيب، وحكاه ابن حزم عن أبي بكرة، وفي «فوائد أبي الشيخ» رأى حُذَيفة رجلًا يصلِّي بعد العصر فنهاه، فقال: أَوَ يعذِّبني الله عليها، قال: يعذِّبك على مخالفة السنَّة، فإن قلت: أخرج البخاري ومسلم عن الأسود عن عائشة قالت: ((لم يكنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ يدعهما سرًّا وَلَا عَلَانيَةً رَكْعَتَانِ قبل الصُّبح وركعتان بعد العَصْرِ))، وَفِي لفظ لَهما:((مَا كَانَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ يأتيني فِي يَوْم بعد العَصْر إلَّا صلَّى رَكْعَتَيْنِ))، وروى أبو داوود من حديث قيس بن عَمْرو قال:((رأى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجلًا يٌصلِّي بعدَ صلاةِ الصُّبح ركعتينِ، فقال عليه السلام: الصُّبح رَكْعَتَانِ، فقال الرجل: إنِّي لمْ أكنْ صلِّيتُ الركعتين اللتين قبلها فصلَّيتهما الآن، فسكتَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ))، هكذا رواه أبو داود وقال: قيس بن عمرو، وفي رواية: قيس بن قَهْد بالقاف؛ قال العَيني: استقرَّت القاعدة أنَّ المبيح والحاظر إذا تعارضا جُعِل الحاظر متأخِّرًا، وقد وَرَد نهي كثير في أحاديث كثيرة، وأمَّا حديث الأسود عن عائشة فإن صلاته عليه السَّلام فيه مخصوصة به، والدليل عليه ما ذكرنا أنَّ عُمَر رضي الله عنه كان يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير، وذكر الماوَرْدي من الشافعيَّة وغيره أيضًا أن ذلك من خصوصياته عليه السَّلام، وقال الخطَّابي أيضًا: كان النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مخصوصًا بهذا دون الخلق، وقال ابن عقيل: لا وجه له إلَّا هذا الوجه، وقال الطَّبَرِي: فعل ذلك تنبيهًا لأمَّته، أنَّ نهيه كان على وجه الكراهة لا التحريم، وقال الطَّحاوي: الذي يدلَّ على الخصوصيَّة أنَّ أمَّ سلمة رضي الله عنها هي الَّتي روت صلاته إيَّاهما، قيل لها: أفنقضيهما إذا فاتتنا بعد العصر، قالت: لا.
وأما حديث قَيْس بن عَمْرو فقال في «الإمام» : إسناده غير متَّصل، ومحمَّد بن إبراهيم لم يسمع من قَيْس، وقال ابن حبَّان لا يحلُّ الاحتجاج به، وقد أكَّد النَّهي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال أبو حفص: ((حدَّثنا محمَّد بن نُوح حدَّثنا شُعَيب بن أيُّوب حدَّثنا أَسْباط بن محمَّد وأبو نُعَيم عن سُفْيان عن أبي إِسْحاق عن عاصم بن ضُمرة عن علي رضي الله عنه، قال: كَانَ رَسُول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لَا يصلِّي صَلَاة مَكْتُوبَة إلَّا صلَّى بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ