حتَّى كَادَتِ الشَّمس تَغْرُبُ. قَالَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: وَاللهِ مَا صَلَّيْتُهَا؛ فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ، وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فصلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثمَّ صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ).
مطابقته للترجمة استفيدت من اختصار الرَّاوي في قوله: (فَصَلَّى العَصْرَ) إذ أصله فصلَّى بنا العصر وكذا رواه الإسماعيلي من طريق يزيد بن زُرَيع عن هشام.
وقال الكِرْماني: فإن قلت: كيف دلَّ الحديث على الجماعة؟ قلت: إمَّا لأنَّ البخاري استفاده من بقيَّة الحديث الذي هذا مختصره، وإمَّا من إجراء الرَّاوي الفائتة الَّتي هي العصر، والحاضرة الَّتي هي المغرب مجرىً واحدًا، ولا شكَّ أنَّ المغرب كان بالجماعة كما هو معلوم من عادة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال العَيني: الوجه الأوَّل هو الذي ذكرناه، وهو الذي كان في نفس الأمر. وأمَّا الوجه الثَّاني فلا وجه له، لأنَّه يردُّه ما رواه أحمد في «مسنده» من حديث أبي سعيد قال: ((حُبِسْنَا يَوْمَ الخَنْدَقِ عَنِ الصَّلاة حتَّى كَانَ بَعْدَ المَغْرِبِ بِهَوِيٍّ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى كُفِيْنَا، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ بِلَالًا فَأَقَامَ صلاة الظُّهر فَصلَّاها كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ العَصْرَ فَصلَّاها كَذَلِكَ ثمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ المَغْرِبَ فَصلَّاها كَذَلِكَ ثمَّ أَقَامَ العِشَاءَ فَصلَّاها كَذَلِكَ قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي صَلَاةِ الخَوْفِ {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: ٢٣٩])). انتهى. وقال شيخنا: الاحتمال الأوَّل أي في كلام الكِرْماني هو الواقع في نفس الأمر، فقد وَقَعَ في رواية الإسماعيلي ما يقتضي أنَّه عليه السَّلام صلَّى بهم، أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن هشام بلفظ: ((فصلَّى بنا العصر)). انتهى.
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا عن مسدَّد عن يحيى وعن أبي نُعَيم عن شيبان، وفي صلاة الخوف عن يحيى عن وكيع، وأخرجه في المغازي عن مكِّي بن إبراهيم، وأخرجه مسلم أيضًا في الصَّلاة عن أبي موسى وأبي غسان وأبي بكر بن أبي شَيْبَة، وأخرجه التِّرْمِذي فيه عن محمَّد بن بشَّار عن معاذ بن هشام، وأخرجه النَّسائي فيه عن إسماعيل بن مسعود ومحمَّد بن عبد الأعلى.
قوله: (يَوْمَ الخَنْدَقَ) : أي يوم حفر الخندق، وهو أعجمي تكلَّمت به العرب، وكان في السنة الرابعة من الهجرة، ويسمَّى بغزوة الأحزاب؛ قال شيخنا: وسيأتي شرح أمره في كتاب المغازي. انتهى.
قوله: (بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ) وفي رواية البخاري عن شَيْبان عن يحيى: (بعدَما أفطرَ الصائمُ) والمعنى واحد.
قوله: (فَجَعَلَ) أي عُمَر، (يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ)، لأنَّهم كانوا السبب لاشتغال المسلمين بحفر الخندق الذي هو سبب في تأخيرهم الصَّلاة عن وقتها، إما المختار كما وَقَعَ لعُمَر، وإمَّا مطلقًا كما وَقَعَ لغيره.
قوله: (مَا كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ) اعلم أنَّ كاد من أفعال المقاربة، وهي على ثلاثة أنواع:
نوع منها: وضع للدلالة على قرب الخبر وهو كاد وكرب وأوشك، فإذا قلت كاد زيد يقوم، فُهم منها: إنَّه قارب القيام ولم يقم، والراجح في كاد أن لا يقرن بأن عكس عسى، فإنَّ الراجح فيها أن تقرن، وقد وَقَعَ في رواية مسلم: ((حتَّى كادَتِ الشَّمْسُ أنْ تغربَ))؛ قال شيخنا: وفي البخاري في باب غزوة الخندق أيضًا، وهو