من تصريف الرواة. وهل يسيغ الرُّواة بالمعنى مثل هذا أو لا؟، الظَّاهر الجواز لأن المقصود الإخبار عن صلاته العصر كيف وقعت، لا الإخبار عن عُمَر هل تكلَّم بالراجحة أو المرجوحة. انتهى. قال اليعمري: وإذا تقرر أنَّ معنى كاد المقاربة، فقول عُمَر: مَا كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ حتَّى كَادَتِ الشَّمس تَغْرُبُ، معناه: أنَّه صلَّى العصر قرب غروب الشَّمس، لأنَّ نفي الصَّلاة تقتضي إثباتها وإثبات الغروب يقتضي نفيه، فيحصل من ذلك لعمر ثبوت الصَّلاة ولم يثبت الغروب. انتهى.
وقال الكِرْماني: لا يلزم من هذا السِّياق وقوع الصَّلاة في وقت العصر، بل يلزم منه أنَّ لا تقع الصَّلاة لأنَّه يقتضي أن كيدودته كانت عند كيدودتها؛ قال: وحاصله عرفًا ما صلِّيت حتَّى غربت الشمس. انتهى.
قال شيخنا: ولا يخفى ما بين التقريرين من الفرق، وما ادَّعاه من الفرق ممنوع وكذلك العنديَّة، للفرق الذي أوضحه اليَعْمري من الإثبات والنَّفي، لأنَّ كاد إذا أثبتت نفت، وإذا نفت أثبتت، كما قال فيها اليَعْمري ملغزًا: وإذا نفيت والله أعلم أثبتت، وإن أثبتت قامت مقام جحود؛ هذا إلى ما في تعبيره بلفظ كيدودة من الثقل والله الهادي إلى الصواب. انتهى.
قال العَيني: كلُّ ذلك لا يشفي العليل، ولا يروي الغليل، والتحقيق في هذا المقام أنَّ كاد إذا دخل عليه النَّفي فيه ثلاثة مذاهب:
الأوَّل: إنَّها كالأفعال إذا تجرَّدت من النَّفي كان معناه إثباتًا، وإن دخل عليها نفي كان معناها نفيًا، لأن قولك كاد زيد يقوم معناه إثبات قرب القيام لا إثبات نفس القيام، فإذا قلت: ما كاد زيد يفعل فمعناه نفي قرب الفعل.
الثاني: إنَّه إذا دخل عليها النَّفي كانت للإثبات.
الثالث: إذا دخل عليها حرف النَّفي نُظِرَ هل دخل على الماضي أو على المستقبل؟ فإن كان ماضيًا فهي للإثبات، وإن كان مستقبلًا فهي كالأفعال؛ والأصحُّ هو المذهب الأوَّل، نصَّ عليه ابن الحاجب، وإذا تقرر هذا فكاد ههنا دخل عليه النَّفي فصار معناه نفيًا يعني نفي قرب الصَّلاة، كما في قولك ما كاد زيد يفعل نفى قرب الفعل.
وقوله:(حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ) حال من النَّفي، فهي كسائر الأفعال؛ وقول اليَعْمري يشير إلى المذهب الثالث وهو غير صحيح، ولا يمشي هنا أيضًا؛ فإن قلت: قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}[البقرة: ٧١] يساعد المذهب الثالث، لأنَّ كاد ههنا دخل عليها النَّفي وهو ماض فاقتضى الإثبات، لأنَّ فعل الذَّبح واقع بلا شكٍّ، قال العَيني: ليس فعل الذَّبح مستفادًا من كاد بل من قوله: {فَذَبَحُوْهَا} والمعنى فذبحوها مجبرين، وما قاربوا فعل الذَّبح مختارين، أو تقول: فذبحوها بعد التراخي وما كادوا يفعلون على الفور، بدليل أنَّهم سألوا سؤالًا بعد سؤال، ولم يبادروا إلى الذَّبح من حين أُمروا به. انتهى.
قال شيخنا: فإن قيل الظَّاهر أن عُمَر كان مع النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فكيف اختُصَّ بأن أدرك صلاة العصر قبل غروب الشَّمس بخلاف بقيَّة الصحابة، والنَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم