للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قلت: وهو الذي شرح عليه شيخنا، ولم يذكر كتاب. انتهى. وسقطت البسملة في رواية القابسي وغيره.

والأذان لغةً: الإعلام، قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٣] قال شيخنا: واشتقاقه من الأَذَنِ بفتحتين، وهو الاستماع، وقال العَيني: من أذَّن يؤذِّن تأذينًا وأذانًا، مثل: كلَّم يكلِّم تكليمًا وكلامًا، فالأذان والكلام اسم المصدر القياسي، وقال الهروي: الأذان والأذين والتأذين بمعنى، وقيل: الأذين المؤذِّن، فعيل بمعنى مفعل، وأصله من الأذن، كأنَّه يلقي في آذان النَّاس بصوته ما يدعوهم إلى الصلاة.

وفي الشريعة: الأذان إعلام مخصوص، بألفاظ مخصوصة، في أوقات مخصوصة. ويقال: الإعلام بوقت الصَّلاة الَّتي عيَّنها الشَّارع مثناة، وقال القُرْطُبي وغيره: الأذان على قلَّة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة، لأنَّه بدأ بالأكبرية، وهي تتضمَّن وجود الله وكماله، ثمَّ ثنَّى بالتوحيد ونفي الشريك، ثمَّ بإثبات الرسالة بمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ دعا إلى الطاعة المخصوصة عقيب الشَّهادة بالرسالة، لأنَّها لا تعرف إلَّا من جهة الرسول، ثمَّ دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم، وفيه الإشارة إلى المعاد، ثمَّ أعاد ما أعاد توكيدًا، ويحصل من الأذان: الإعلام بدخول الوقت، والدُّعاء إلى الجماعة، وإظهار شعائر الإسلام، والحكمة في اختيار القول له دون الفعل، سهولة القول وتيسيره لكلِّ أحد في كلِّ زمان ومكان.

واختلف له أيُّما أفضل الأذان أو الإقامة؟ ثالثها: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل، وإلا فالأذان، وفي كلام الشَّافعي ما يومئ إليه، واختُلِفَ أيضًا في الجمع بينهما، فقيل: يكره، وفي البَيْهَقي من حديث جابر مرفوعًا: النَّهي عن ذلك لكن سنده ضعيف، وصحَّ عن عمر: لو أطيق الأذان مع الخلافة لأذَّنت، رواه سعيد بن مَنْصور وغيره، وقيل: خلاف الأولى، وقيل: مستحبٌّ وصححه النَّوَوي رضي الله عنه.

(بَابُ بِدْءِ الأَذَانِ) أي هذا باب في بيان ابتداء الأذان، وليس في رواية أبي ذرٍّ لفظ باب.

قوله: (وَقُوْلِ الله تَعَالَى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاة اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: ٥٨] وقولِهِ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ} [الجمعة: ٩])

قوله: (وَقَوْلِ اللهِ) مجرور لأنَّه عطف على لفظ بدء، وقوله الثَّاني عطف عليه، وإنما ذكر هاتين الآيتين إما للتبرك، أو لإرادة ما بوَّب له، وهو بدء الأذان، وإن ذلك كان بالمدينة، والآيتان المذكورتان مدنيتان، وقد ذكر أهل التفسير أن اليهود لما سمعوا الأذان، قالوا: لقد أبدعت يا محمَّد شيئًا لم يكن فيما مضى، فنزلت: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: ٥٨] الآية، واختلف في السنة الَّتي فُرِضَ فيها، فالراجح أن ذلك كان في السنة الأولى، وقيل بل كان في السنة الثانية، ورُوِيَ عن ابن عبَّاس: أنَّ فَرض الأذان نزل مع هذه الآية، أخرجه أبو الشيخ.

تنبيه: الفرق بين ما في الآيتين من التعدية بإلى وباللَّام، أنَّ صلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام، فقصد في الأولى: معنى الانتهاء، وفي الثانية: معنى الاختصاص، لأنَّ الحروف ينوب بعضها عن بعض قاله الكِرْماني، ويحتمل أن تكون اللام بمعنى إلى

<<  <   >  >>