للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أو العكس، والله أعلم.

قال العَيني: أما الآية الأولى ففي سورة المائدة، وإيراد البخاري هذه الآية ههنا، إشارة إلى أن بدء الأذان بالآية المذكورة كما ذكرنا، وعن هذا قال الزمخشري في «تفسيره» قيل: فيه دليل على ثبوت الأذان بنص الكتاب، لا بالمنام وحده.

قوله: ({وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: ٥٨]) يعني إذا أذَّن المؤذِّن للصلاة، وإنَّما أضاف النداء إلى جميع المسلمين، لأنَّ المؤذِّن يؤذِّن لهم ويناديهم فأضاف إليهم، فقال: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاة اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} [المائدة: ٥٨] يعني الكفَّار إذا سمعوا الأذان استهزؤوا بهم، وإذا رأوهم ركوعًا وسجودًا ضحكوا عليهم واستهزؤوا بذلك.

قوله: {ذَلِكَ} [المائدة: ٥٨] يعني الاستهزاء، {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُوْنَ} [المائدة: ٥٨] يعني لا يعلمون ثوابهم، وقال أسباط عن السدي قال: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي أشهَّد أنَّ محمَّدًا رسول الله قال: حُرق الكاذب، فدخلت خادمته ليلة من اللَّيالي بنار وهو نائم، فسقطت شرارة فأحرقت البيت، فاحترق هو وأهله، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.

وأما الآية الثانية ففي سورة الجمعة فقوله: ({نُوْدِيَ لِلصَّلَاةِ} [الجمعة: ٩]) أراد بهذا النداء الأذان عند قعود الإمام على المنبر للخطبة، ذكره النَّسَفي في «تفسيره».

وحديث ابن عُمَر المذكور في هذا الباب، ظاهر في أنَّ الأذان إنَّما شرع بعد الهجرة، فإنَّه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقًا، وقوله في آخره: (يَا بِلَالُ، قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ)، كان ذلك قبل رؤيا عبد الله بن زيد، وسياق حديثه يدلُّ على ذلك، كما أخرجه ابن خُزَيمَة وابن حبَّان من طريق محمَّد بن إِسْحاق حدَّثني محمَّد بن إبراهيم التَّيمي عن محمَّد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربُّه، فذكر نحو حديث ابن عمر، وفي آخره: ((فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أُرِيَ عَبْدُ اللهِ النِّدَاءَ)) فذكر الرؤيا وفيها صيغة الأذان، لكن بغير ترجيع، وفيه تربيع التكبير، وإفراد الإقامة، وتثنية قد قامت الصَّلاة، وفي آخره قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقُمْ [مع] (١) بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ).

وفيه مجيء عُمَر رضي الله عنه، وقوله: إنَّه رأى مثل ذلك، وقد أخرج التِّرْمِذي في ترجمة بدء الأذان، حديث عبد الله بن زيد، مع حديث عبد الله بن عمر، وإنما لم يخرجه البخاري لأنَّه على غير شرطه، وقد روي عن عبد الله بن زيد من طرق، وحكى ابن خُزَيمَة عن الذهلي إنَّه ليس في طرقه أصحَّ من هذه الطريق، وشاهده حديث عبد الرزَّاق عن مَعْمَر عن الزُّهْري عن سعيد بن المُسَيَّب مرسلًا، من وصله عن سعيد عن عبد الله بن زيد، والمرسل أقوى إسنادًا. ووَقَعَ في «الأوسط» للطبراني: أنَّ أبا بكر أيضًا رأى الأذان، ووَقَعَ في «الوسيط» للغزالي: أنَّه رآه بضعة عشر رجلًا، وعبارة الجيلي في «شرح التنبيه» : أربعة عشر، وأنكره ابن الصلاح والنووي، ونقل مُغُلْطاي: أنَّ في بعض كتب الفقهاء أنَّه رآه سبعة، ولا يثبت شيء من ذلك إلَّا لعبد الله بن زيد، وقصة عُمَر جاءت في بعض طرقه، وفي مسند الحارث بن أبي أسامة بسندٍ واهٍ عن... (٢)، قال: ((أوَّل مَنْ أذَّن بالصلاةِ جبريل في السَّماء الدنيا، فسمعه عُمَر وبلال، فسبق عُمَر بلالًا، فأخبر النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ جاء بلال فقال له: سبقك بها عمر)).

فائدتان: وردت أحاديث تدلُّ على أنَّ الأذان شُرع بمكَّة قبل الهجرة، منها


(١) ليس في الأصل، وأضيفت من فتح الباري.
(٢) في الأصل بياض بمقدار كلمتين.

<<  <   >  >>