للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

للطبراني من طريق سالم بن عبد الله بن عُمَر عن أبيه قال: ((لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ الأَذَانَ فَنَزَلَ بِهِ فَعَلَّمَهُ بِلَالًا)) وفي إسناده طلحة بن زيد وهو ضعيف متروك، وللدارقطني في «الأفراد» من حديث أنس: ((أَنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ بِالأَذَانِ حِينَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ)) وإسناده ضعيف أيضًا، ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعًا: ((لَمَّا أُسْرِيَ بِي، أَذَّنَ جِبْرِيلُ فَظَنَّتِ المَلَائِكَةُ إنَّه يصلِّي بِهِمْ، فَقَدَّمَنِي فَصَلَّيْتُ)) وفيه من لا يُعرف، وللبزَّار وغيره من حديث علي قال: ((لَمَّا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الأَذَانَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا البُرَاقُ فَرَكِبَهَا)) فذكر الحديث، وفيه: ((إِذْ خَرَجَ مَلَكٌ مِنْ [وَرَاءِ] (١) الحِجَابِ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ)) وفي آخره: ((ثُمَّ أَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِهِ فَأَمَّ بِأَهْلِ السَّمَاءِ)) وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود، وهو متروك أيضًا. ويمكن على تقدير الصحَّة أن يحمل على تعدُّد الإسراء، فيكون ذلك وَقَعَ بالمدينة.

وأما قول القُرْطُبي: لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعًا في حقِّه، ففيه نظر، قوله في أوَّله: لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان، وكذا قول المحبِّ الطَّبَرِي: يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللُّغَوي وهو الإعلام، ففيه نظر أيضًا، لتصريحه بكيفيَّته المشروعة فيه، والحقُّ أنَّه لا يصحُّ شيء من هذه الأحاديث، وقد جزم ابن المنذر بأنَّه عليه الصَّلاة والسلام كان يصلِّي بغير أذان منذ فرضت الصَّلاة بمكَّة، إلى أن هاجر إلى المدينة، وإلى أن وَقَعَ التشاور في ذلك، على ما في حديث عبد الله بن عُمَر، ثمَّ حديث عبد الله بن زيد. انتهى. وقد حاول السُّهَيلي الجمع بينهما فتكلَّف وتعسَّف، والأخذ بما صحَّ أولى، فقال بانيًا على صحة الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصَّحابي: ((أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم سمعه فوق سبع سماوات، وهو أقوى من الوحي، فلمَّا تأخَّر الأمر بالأذان عن فرض الصَّلاة، وأراد إعلامهم بالوقت، فرأى الصحابي المنام فقصَّها، فوافقت ما كان النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم سمعه، فقال: إنَّها لَرُؤْيَا حَقّ وعلم حينئذ أنَّ مرادَ الله بما أراه في السَّماء أن يكون سنَّة في الأرضِ))، ويقوى ذلك بموافقة عُمر، لأنَّ السكينة تُنطق على لسانه، والحكمة أيضًا في إعلام النَّاس به على غير لسانه صلَّى الله عليه وسلَّم للتنويه بعبده والرفع لذكره بلسان غيره، ليكون [أقوى] (٢) لأمره وأفخم لشأنه. انتهى ملخصًا.

والثاني: حسن بديع، ويؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا عبد الله بن زيد، حتَّى أضيف عُمَر للتقوية الَّتي ذكرها. لكن قد يقال: فلم لا اقتصر على عمر؟ فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة، وقد جاء في رواية ضعيفة سبقت، ما ظاهره أنَّ بلالًا أيضًا رأى، لكنها مؤوَّلة فإنَّ لفظها: (سَبَقَكَ بِهَا بِلَال) فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين لرؤيا عبد الله بن زيد.

ومما يكثر السؤال عنه: هل باشر النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأذان بنفسه؟ وقد وَقَعَ عند السُّهَيلي: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم أَذَّنَ فِي سَفَرٍ، وَصلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُمْ عَلَى رَوَاحِلِهِمُ، السَّماء مِنْ فَوْقِهِمْ وَالبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ)) أخرجه التِّرْمِذي من طريق تدور على عُمَر بن أبي الرماح، يرفعه إلى أبي هريرة. انتهى. وليس هو من حديث أبي هريرة، وإنَّما من حديث يعلى بن مُرَّة، وكذا جزم النَّوَوي بأنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم


(١) ليس في الأصل.
(٢) ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من فتح الباري.

<<  <   >  >>