به لأنَّه الأذان المشتمل على التوحيد في ابتدائه وانتهائه، وهي مناسبة حسنة في اختصاص بلال، إلَّا أنَّ هذا الموضع ليس هو محلُّها.
وفيه دليل على مشروعية طلب الأحكام من المعاني المستنبطة، دون الاقتصار على الظَّواهر، وفيه منقبة ظاهرة لعُمَر بن الخطَّاب رضي الله عنه، وفيه مشروعية التَّشاور في الأمور المهمة، وإنَّه ينبغي للمتشاورين أن يقول كلٌّ منهم ما عنده، ثمَّ صاحب الأمر يفعل ما فيه المصلحة، وفيه التحين لأوقات الصَّلوات، قلت: وفيه كراهية التشبيه بأهل الكتاب، وفيه الردُّ على المستشار إذا أخطأ، وفيه أنَّ رؤيا المؤمن حقٌّ، وفيه الاستحياء ولو كان في حقٍّ.
فوائد: منها الاستشكال في إثبات الأذان برؤيا عبد الله بن زيد، لأنَّ رؤيا غير الأنبياء لا يُبنى عليها حكم شرعي، والجواب: مقارنة الوحي لذلك، وقد تقدَّم من الأحاديث ما يدلُّ على ذلك، قال شيخنا: أو لأنَّه أمر بمقتضاهما لينظر أيقرَّ على ذلك أم لا، سيَّما لما رأى سعد دخول الوسواس فيه، وهذا ينبني على القول بجواز اجتهاده عليه السَّلام في الأحكام، وهو المقصود في الأصول ويؤيِّد الأوَّل ما رواه عبد الرزَّاق وأبو داود في «المراسيل» من طريق عُبَيْد ابن عُمَير التَّيمي أحد كبار التَّابعين أن عُمَر رضي الله عنه لما رأى الأذان جاء يخبر النَّبِيَّ عليه السَّلام، فوجد الوحي قد ورد بذلك، فما راعه إلَّا أذان بلال، فقال له النَّبِيُّ عليه السَّلام سبقك بذلك الوحي، هذا أصحُّ مما حكى الدَّاوُدي: أنَّ جبريل أتى النَّبِيَّ بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد بثمانية أيَّام، والله أعلم.
ومنها الترجيع في الأذان، وهو أن يرجع فيرفع صوته بالشهادتين بعدما خفض بهما، وبه قال الشَّافعي ومالك، إلَّا أنَّه لا يأتي بالتكبير في أوَّله إلَّا مرَّتين، وقال أحمد: إن رجع فلا بأس به، وإن لم يرجع فلا بأس به، وقال أبو إِسْحاق من أصحاب الشافعي: إنَّه إن ترك الترجيع يعتدُّ به، وحكى عن بعض أصحابه أنَّه لا يعتدُّ به، كما لو ترك سائر كلماته، كذا في «الحلية»، وفي «شرح الوجيز»، والأصحُّ إن ترك الترجيع لم يضرُّه، وحجَّة الشَّافعي حديث أبي محذورة:((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم عَلَّمَهُ الأَذَانَ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، أَشْهَد أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاة، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ.، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللهُ)) رواه الجماعة إلَّا البخاري من حديث عبد الله بن مُحَيريز عن أبي مَحذُورَة، قال العَيني: وحجَّة أصحابنا ــ أي الحنفيَّة ــ حديث عبد الله بن زيد من غير ترجيع فيه، وكان حديث أبي مَحذُورَة لأجل التعليم، فكرره فظنَّ أبو مَحذُورَة أنَّه ترجيع وأنَّه في أصل الأذان. وروى الطَّبَرَاني في «معجمه الأوسط» عن أبي مَحذُورَة أنَّه قال: ((أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم [الأَذَانَ] (١) حَرْفًا حَرْفًا: اللهُ أَكْبَرُ...)) إلخ. ولم يذكر فيه ترجيعًا، وأذان بلال بحضرة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سفرًا وحضرًا، وهو مؤذِّن رسول الله بإطباق أهل الإسلام