في شدَّة عظيمة من خوف وغيره، تسترخي مفاصله، ولا يقدر على أن يملك نفسه، فينفتح منه مخرج البول والغائط، ولما كان الشَّيطان لعنه الله تعتريه شدَّة عظيمة وداهية جسيمة، عند النداء إلى الصَّلاة، فيهرب حتَّى لا يسمع الأذان، شبَّه حاله بحال ذلك الرجل، وأثبت له على وجه الادعاء الضراط الذي ينشأ من كمال الخوف الشديد، وفي الحقيقة ما ثمَّ ضراط، ولكن يجوز أن يكون ريح، لأنَّه روح ولكن لم تعرف كيفيته. انتهى. وقال الطيبي: شبَّه شغل الشَّيطان نفسه عند سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع، ويمنعه عن سماع غيره ثمَّ سماه ضراطًا تقبيحًا له، فإن قلت: كيف يهرب عن الأذان، ولا يهرب عن قراءة القرآن وهي أفضل من الأذان؟ قلت: إنَّما يهرب من الأذان حتَّى لا يشهد بما سمعه إذا استُشهد يوم القيامة، لأنَّه جاء في الحديث:(لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلا أَنَس وَلا شَيْءٌ، إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) والشَّيطان أيضًا شيء أو هو داخل في الجنِّ، لأنَّه من الجنِّ. فإن قلت: الشَّيطان ليس بأهل للشهادة، لأنَّه كافر، والمراد من الحديث يشهد له المؤمنون من الجنِّ والإنس، قال العَيني: إنَّه يدبر لعظم أمر الأذان، لما اشتمل عليه من قواعد الدين، وإظهار شعائر الإسلام وإعلانه. وقيل: ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان بالتوحيد. فإن قلت: كيف يهرب من الأذان ويدنو من الصَّلاة وفيها القرآن ومناجاة الحقِّ؟ قال العَيني: أيضًا هروبه من الأذان ليأسه من الوسوسة كما ذكرنا، وفي الصَّلاة تفتح له أبواب الوسواس. انتهى. قلت: التعليل بقولنا حتَّى لا يشهد إذا استُشهد، أظهر من هذا. انتهى. وقيل لأن الأذان دعاء إلى الصَّلاة المشتملة على السُّجود الذي أباه وعصى فيه، واعترض بأنه يعود قبل السجود، فلو كان هروبه لأجله لم يعد إلَّا عند فراغه، وأجيب: بأنَّه يهرب عند سماع الدعاء بذلك ليغالط نفسه بأنه لم يخالف أمرًا، ثمَّ يرجع ليفسد على المصلِّي سجوده الذي أباه، وقيل: إنَّما يهرب لاتفاق الجميع على الإعلان بشهادة الحقِّ وإقامة الشريعة، واعترض بأنَّ الاتِّفاق على ذلك حاصل قبل الأذان وبعده من جميع من يصلِّي، وأجيب: بأن الإعلان أخصُّ من الاتفاق، فإنَّ الإعلان المختصَّ بالأذان لا يشاركه فيه غيره من الجهر بالتكبير والتلاوة مثلًا، ولهذا قال لعبد الله بن زيد:(أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ) أي اقعد بالمدِّ والإطالة والإسماع ليعمَّ الصَّوت ويطول أمد التأذين، فيكثر الجمع ويفوت على الشَّيطان مقصوده من إلهاء الآدمي عن إقامة الصَّلاة في جماعة، أو إخراجها عن وقتها أو وقت فضيلتها فيفرُّ حينئذ، وقد يئس عن أن يردَّهم عمَّا أعلنوا، ثمَّ يرجع لما طبع عليه من الأذى إلى الوسوسة. وقال ابن الجَوْزي: على الأذان