للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

هيبة يشتدُّ بسببها انزعاج الشيطان، لأنَّه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به، بخلاف الصَّلاة فإن النفس تحضر فيها، فيفتح لها الشَّيطان أبواب الوسوسة. وقد ترجم عليه أبو عوانة: الدليل على أن المؤذِّن في أذانه وإقامته منفي عنه الوسوسة والرياء لتباعد الشَّيطان منه، وقيل: لأن الأذان إعلام بالصَّلاة الَّتي هي أفضل الأعمال، بألفاظ هي من أفضل الذكر، لا يُزاد فيها ولا يُنقص منها، بل يقع على وفق الأمر، فيفرُّ من سماعها. وأمَّا الصَّلاة فلما يقع من كثير من النَّاس فيها من التفريط فيتمكَّن الخبيث من المفرِّط، فلو قُدِرَ أن المصلِّي وفى بجميع ما أُمر به فيها لم يقربه وحده وهو نادر، وكذا إذا انضم إليه مثله فإنه يكون أندر، أشار له ابن أبي جَمْرَة نفع الله ببركته.

قوله: (حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِيْنَ) الظَّاهر أن هذه الغاية لأجل إدباره، وقال شيخنا: ظاهره إنَّه يتعمد إخراج ذلك إمَّا ليشتغل بسماع الصَّوت الذي يخرجه عن سماع المؤذِّن، أو يصنع ذلك استخفافًا كما يفعله السًّفهاء، ويحتمل أن لا يتعمَّد ذلك، بل يحصل له عند سماع الأذان شدَّة خوف يحدث له ذلك الصَّوت بسببها، ويحتمل أن يتعمد ذلك ليقابل ما يناسب الصَّلاة من الطهارة بالحدث. انتهى. قلت: ومثل هذا ما يفعله بعض الكفَّار من النصارى وهو إنَّه إذا سمع المؤذِّن يصلب على وجهه، ليقابل الإيمان بكفره. انتهى. وقال شيخنا أيضًا: واستدلَّ به على استحباب رفع الصَّوت بالأذان، لأنَّ قوله: (حَتَّى لَا يَسْمَعَ) ظاهر في إنَّه يبعد إلى مكان ينتفي فيها سماعه للصوت، وقد وَقَعَ بيان الغاية في رواية لمسلم من حديث جابر فقال: (حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ الرَّوْحَاءِ) وحكى الأَعْمَش عن أبي سُفْيان روايةً عن جابر أن بين المدينة والروحاء ستَّة وثلاثون ميلًا، هذه رواية قُتَيْبَة عن جرير عند مسلم، وأخرجه عن إِسْحاق عن جرير ولم يسق لفظه، ولفظ إِسْحاق في «مسنده» : ((حَتَّى يَكُونَ بِالرَّوْحَاءِ)) وهي ثلاثون ميلًا عن المدينة. فأدرجه في الخبر، والمعتمد رواية قُتَيْبَة، وسيأتي حديث أبي سعيد في فضل رفع الصَّوت بالأذان بعد، قال ابن بطَّال: يشبه أن يكون الزجر من خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذِّن المؤذِّن من هذا المعنى، لئلَّا يكون متشبِّهًا بالشَّيطان الذي يفرُّ عند سماع الأذان.

قوله: (فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ) بضمِّ القاف على صيغة المجهول، سند إلى فاعله وهو النداء القائم مقام المفعول، ويروى على صيغة المعلوم، ويكون الفاعل هو الضَّمير الذي فيه، وهو المؤذِّن، والنداء منصوب على المفعولية، والقضاء يأتي لمعانٍ كثيرةٍ، وههنا بمعنى: الفراغ. تقول: قضيت حاجتي أي فرغت منها أو بمعنى الانتهاء.

قوله: (أَقْبَلَ) زاد مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة: ((فَوَسْوَسَ)).

قوله: (حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ) بضمِّ الثَّاء المثلَّثة وتشديد الواو

<<  <   >  >>