للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا يبعد ذلك، لأنَّ غرضه تقريب خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان. انتهى.

قوله: (حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ) بفتح الظاء أي حتَّى يصير الرجل ما يدري كم صلَّى من الركعات، ورواية الجمهور بالظاء المشالة المفتوحة ومعناه في الأصل اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارًا، لكنها هنا بمعنى يصير، كما في قوله تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ} [النحل: ٥٨] وقيل: معناه يبقى ويدوم، ووَقَعَ عند الأَصِيلي: يضِل، بالضاد المعجمة المكسورة أي ينسى ويذهب وهمه ويسهو، قال تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} [البقرة: ٢٨٢]. وقال ابن قرقول: وحكى الداودي إنَّه روي: يضِلُّ ويضَلُّ، من الضلال وهو الحيرة. قال: والكسر في المستقبل أشهر، وقال القُشَيري: ولو روى هذا الرجل حتَّى يُضِلَّ الرجل لكان وجهًا صحيحًا، يريد: حتَّى يُضِلَّ الشَّيطان الرجل عن درايته كمْ صلَّى؟ قال: ولا أعلم أحدًا رواه، لكنَّه لو روي لكان وجهًا صحيحًا في المعنى، غير خارج عن مُرَاده عليه السَّلام، وفي رواية للبخاري في صلاة السَّهو: (إِنْ يَدْرِى كَمْ صَلَّى) وكذا في رواية أبي داود. وكلمة: (إن) بالكسر نافية يعني: ما يدري، قال القاضي عياض: ورُوي بفتحها، قال: وهي رواية ابن عبد البرِّ، وادَّعى إنَّها رواية أكثرهم، وكذا ضبطه الأَصِيلي في كتاب البخاري والصحيح الكسر، قال العَيني: الفتح إنَّما يتوجَّه على رواية: يضِلُّ، بالضاد فيكون: (أن) مع الفعل بعدها بتأويل المصدر، أي يجهل درايته وينسى عدد ركعاته. فإن قلت: أثبت له الضراط في إدباره الأوَّل ولم يثبت في الثاني؟ قال العَيني: لأنَّ الشدة في الأوَّل تلحقه على سبيل الغفلة فتكون أعظم، أو يكون اكتفى بذكره في الأوَّل عن ذكره في الثاني. انتهى.

فيه أنَّ الأذان له فضل عظيم حتَّى يلحق الشَّيطان منه أمر عظيم، كما ذكرناه، وكذلك المؤذِّن له أجر عظيم، إذا كان أذانه احتسابًا لله تعالى، وفي صحيحي ابن خُزَيمَة وابن حبَّان: ((المُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ، وَيَسْتَغْفِرْ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَشَاهِدُ الصَّلاة، يُكْتَبُ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حَسَنَةً، وَيُكَفَّرُ عَنْهُ مَا بَيْنَهُمَا)) وعند أحمد رحمه الله: ((وَيُصَدِّقُهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ سَمِعَهُ)) وعند أبي الشيخ: ((كُلُّ مَدَرَةٍ وَصَخْرَةٍ سَمِعَتْ صَوْتَهُ)) وفي كتاب «الفضائل» لحُمَيد بن زنجويه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: ((يُكْتَبُ لِلْمُؤَذّن عِنْد أَذَانِهِ أَرْبَعُونَ وَمِائَة حَسَنَة، وَعندَ الإِقامَة عشرُون وَمِائَة حَسَنَة)) وفي كتاب أبي القاسم الجوزي عن أبي سعيد وغيره: ((ثَلَاثَةٌ يَوْمَ القِيَامَة عَلَى كُثُبٍ مِنْ مِسْكٍ أَسْوَد، لَا يَهُولهُم فَزَعً وَلَا يَنَالُهُم حِسَاب)) الحديث وفيه: ((وَرَجُلٌ أَذَّنَ وَدَعَا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ)) وعند السرَّاج عن أبي هريرة بسند جيد: ((المُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاس أَعْنَاقًا، لِقَوْلِهِم: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ)) وفي لفظ: ((يُعْرَفُونَ بِطُولِ أَعْنَاقِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ)) خرَّجه أيضًا ابن حبَّان في صحيحه، وعند أبي الشيخ: ((مَن أَذَّنَ خَمْسَ صلواتٍ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِه)) وفي كتاب «الصحابة» لأبي موسى

<<  <   >  >>