للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

خبر مبتدأ محذوف، أي أنت ربُّ هذه الدعوة، والرب: المربي المصلح للشأن، وقال الزمخشري: ربَّه يربُّه فهو ربٌّ، ويجوز أن يكون وصفاً لمصدر للمبالغة كما في الوصف بالعدل، ولم يطلقوا الربَّ إلا في الله وفي غيره على التقييد بالإضافة، كقولهم: ربُّ الدار ونحوه.

قوله: (الدَّعوَة) بفتح الدال، وفي «المحكم» : الدَّعوة والدِّعوة بالفتح والكسر، والمدعاة: ما دعوت إليه، وخص اللَّحياني بالمفتوحة الدعاءَ إلى الوليمة. قال العيني: قالوا: الدَّعوة بالفتح في الطعام، والدِّعوة بالكسر في النسب، والدُّعوة بالضم في الحرب. والمراد بالدعوة ههنا ألفاظ الأذان التي يدعى بها الشخص إلى عبادة الله تعالى، وفي رواية البيهقي من طريق محمد بن عوف عن علي بن عياش: «اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة» والمراد بها دعوة التوحيد كقوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ} [الرعد: ١٤].

قوله: (التَّامَّةِ) صفة للدعوة، وُصِفت بالتمام؛ لأن الشركة نقص، وقيل: معناها التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل، بل هي باقية إلى يوم القيامة، وقيل: وُصفت بالتمام؛ لأنها هي التي تستحق صفة التمام وما سواها بمعرض الفساد، وقال ابن التين: وُصفت بالتامة؛ لأن فيها أتم القول وهو لا إله إلا الله، وقيل: التامة الكاملة، وكمالها لا يدخلها نقص ولا عيب كما يدخل في كلام الناس، وقيل: معنى التمام كونُها محمية عن النَّسخ باقية إلى يوم القيامة، وقال الطيبي: مِن أوله إلى قوله: (محمد رسول الله) هي الدعوة التامة.

قوله: (وَالصَّلاةِ القائِمَة) أي: الدائمة التي لا تُغيّرها مِلّة ولا تَنسخها شريعة، وأنها قائمة ما دامت السماوات والأرض. ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة الدعاءُ، وبالقائمة الدائمةُ، مِن قام على الشيء إذا داوم عليه، وعلى هذا فقوله: (والصلاة القائمة) بيان للدعوة التامة. ويحتمل أن يكون بالصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذ، وهو أظهر.

قوله: (آتِ) أي: أعطِ، وهو أمر من الإيتاء وهو الإعطاء.

قوله: (الوَسِيلَةَ) وهي في اللغة: ما يتقرب به إلى الغير والمنزلة عند الملك، يقال: وسل فلان إلى ربه وسيلة، وتوسل إليه بوسيلة إذا تقرب إليه بعمل، وهي على وزن فَعيلة، وتُجمع على وسائل ووسل، وتطلق على المنزلة العلية، ووقع ذلك في حديث مسلم: حدثنا محمد بن مسلمة المرادي، حدثنا عبد الله بن وهب عن حيوة وسعيد بن أبي أيوب وغيرهما، عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي لأحد إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حَلَّت له الشفاعة)) ونحوه للبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه أبو داود والنسائي أيضاً، وأخرجه الطحاوي، ولفظه: ((فإنها منزلة في الجنة)) فالمنزل والمنزلة واحد وهي المنهل والدار، قال شيخنا: ويمكن ردها إلى الأول؛ فإن الواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله، فتكون كالقربة

<<  <   >  >>