بِلَيْلٍ)، ولا يقال إنه مرسل لأن القاسم تابعي فلمْ يدرك القصة المذكورة، لأنه ثبت عند النَّسائي من رواية حفص بن غياث وعند الطحاوي من رواية يحيى القطان كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها: فذكر الحديث. قالت: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا.
وعلى هذا فمعنى قوله في رواية البخاري: قال القاسم. أي في روايته عن عائشة. وقد وقع عند مسلم من رواية ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثلُ هذه الزيادة وفيها نظر، أو في صحته في كتاب «المدرج»، وتثبت الزيادة أيضاً في حديث أُنيسة الذي تقدمت الإشارةُ إليه.
وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الوقت الذي يقع فيه الأذان قبل الفجر هو وقت السحر، وهو أحد الأوجه في مذهب الشافعي واختاره السبكي في «شرح المنهاج» وحكى تصحيحه عن القاضي حسين والمتولي، قال: وقطع به البغوي، وكلام ابن دقيق العيد يُشْعِر به، فإنه قال بَعدَ أَنْ حكاه: يُرجِّح هذا بأن قوله: (إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ) خبرٌ يتعلق به فائدةُ السَّامعين قطعاً، وذلك إذا كان وقت الأذان مشتبهاً محتملاً لأنْ يكونَ عند طلوع الفجر، فبيَّنَ صلى الله عليه وسلم أنَّ ذلك لا يمنع الأكل، بل الذي يمنعه طلوعُ الفجر الصادق. قال: وهذا يدل على تقارب وقت أذان بلال من الفجر.
قال شيخنا: ويقويه أيضاً ما تقدمَ من أن الحكمة في مشروعيته التأهبُ لإدراك الصبح في أول وقتها. وصحح النووي في أكثر كتبه أنَّ مبدأه من نصف الليل الثاني، وأجاب عن الحديث في شرح مسلم فقال: قال العلماء: معناه أن بلالًا كان يؤذِّن ويتربَّصُ بعد أذانه للدعاء ونحوِه، فإذا قارب طلوعُ الفجر نزل فأخبر ابنَ أمَّ مكتوم فيتأهب للطهارة ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول وقت طلوع الفجر. وهذا مع وضوح لمخالفته لسياق الحديث يحتاج إلى دليل خاص لما صححه حتى يسوغ له التأويل. ووراء ذلك أقوالٌ أخرى معروفة في الفقهيات. انتهى.
قال الكِرماني: قالت الحنفية: لا يسن الأذان قبل وقت الصبح. قال الطحاوي: إن ذلك النداء من بلال ليُنبِّه النائم ويَرجعَ القائم لا للصلاة، وقال غيرُه: إنه كان نداءً لا أذانًا، كما جاء في بعض الروايات أنه كان ينادي.
أقول: للشافعية أن يقولوا: المقصودُ بيانُ أن وقوعَ الأذان قبل الصبح، وتقريرُ الرسول عليه الصلاة والسلام له، وأما أنه للصلاة أو لِغرضٍ آخر، فذلك بحث آخر. وأما رواية:(كان ينادي)، فمعارَض برواية:(كان يؤذن). والترجيح معنا لأنَّ كلَّ أذانٍ نداءٌ بدون العكس، فالعمل برواية:(يُؤَذِّنُ) عملٌ بالروايتين، وجمْعٌ بين الدليلين، والعكسُ ليس كذلك. انتهى.
قال العيني: أراد الكِرماني أن ينتصرَ لمذهبه ولكن لم يأت بشيء عليه قَبول، فقوله: قال الطحاوي: إن ذلك النداء من بلال لينبه النائم ويرجع القائم، هو من كلام الشارع، فإن أراد بذلك الاعتراض عليه فهو باطل. وقوله: لا للصلاة، مسَلَّم