عندهم أيضاً، حتى لو صلى بذلك الأذان صلاة الفجر لا يجوز. وقوله: المقصود بيان أن وقوع الأذان قبل الصبح، فهذا من نازَعَهم فيه، ونحن أيضاً نقول: إنه وقع قبل الصبح، ولكن لا يُعتد به في حق الصلاة. وقوله: وتقرير الرسول عليه السلام له، يردُّه قوله عليه السلام لبلال: أنْ يرجع فينادي: ((ألا إن العبد نام، فرجع فنادى: ألا إن العبد نام)). رواه الطحاوي والترمذي من حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، رضي الله عنهما.
فإن قلتَ: قال الترمذي: هذا حديث غيرُ محفوظ، والصحيحُ ما رَوى عبيد الله بن عمر وغيرُه عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)).
قال العيني: ما لحماد بن سلمة، وهو معه، وليس حديثُه يخالف حديث عبيد الله بن عمر، لأن حديثه لإيقاظ النائم ورجع القائم، ولم يكن لأجل الصلاة، فلذلك لم يأمره عليه السلام بأن يرجع وينادي:((ألا إن العبد نام)). وأما حديث حماد بن سلمة فقد كان لأجل غفلة بلال عن الوقت، وعلى كلا التقديرين: أذان بلال لم يكن معتداً للصلاة.
وقوله: وأما رواية: كان ينادي، فليس كذلك، لأن كلًّا من الأذان والنداء في الحقيقة يرجع إلى معنى واحد، وهو الإعلام، ولا إعلام قبل الوقت. ثم قال الكِرماني: فإن قلتَ: الأذان للإعلام بوقت الصلاة بالألفاظ التي عيَّنها الشارع، وهو لا يَصدق عليه، لأنه ليس إعلامًا بوقتها بأنَّ الإعلام بالوقت أعم من أن يكون إعلامًا بأن الوقت دخل أو قرُب أن يدخل. انتهى.
قال العيني: فعلى ما ذكره إذا أذَّنَ عند قُرب وقت صلاةٍ أيِّ صلاة كانت ينبغي أن يُكتفى به ولا يُعاد، ويصلَّى به. ولم يقل به أحد في كل الصلوات. انتهى.
قلتُ: فهذه مكابرة في البين، فإن الشارع خص الصبح بذلك، وقد سبق التنبيهُ على الحكمة فيه. وقد تقدم أيضاً الجواب عمَّا قاله العيني وأطال فيه بما لا تقبله الشافعيةُ منه، فلا نطيل بإعادته مع الإعادات التي وقعت في كتاب الأذان. انتهى.
قال شيخنا: واحتج الطحاوي لعدم مشروعية الأذان قبل الفجر بقوله: لما كان بين أذانيهما من القرب، ما ذُكِر في حديث عائشة ثبت أنهما كانا وقتاً واحداً وهو طلوع الفجر، فيخطِئُهُ بلال ويصيبُه ابنُ أم مكتوم. وتُعُقِّب بأنه لو كان كذلك لما أقره النبي صلى الله عليه وسلم مؤذِّنًا واعتمد عليه، ولو كان كما ادعى لكان وقوعُ ذلك منه نادرًا. وظاهرُ حديث ابن عمر يدل على أن ذلك كان شأنَه وعادتَه والله أعلم. انتهى.
قال العيني: لو اعتمد عليه في أذان الفجر لكان لم يقل: ((لا يغرنكم أذان بلال))، وتقريرُه عليه السلام إياه على ذلك لم يكن إلا لمعنىً بيَّنه في الحديث، وهو تنبيه النائم ورجْع القائم، لمعان مقصودة في ذلك. انتهى.