يكون التقدير: بين كل أذانين صلاة نافلة غير المفروضة.
قوله: (ثَلَاثًا) أي قالها ثلاثاً. وعند أبي داود: قالها مرتين. وسيأتي بعدُ بابُ بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: ((لِمَنْ شَاءَ)). وهل بين أنه لم يقل: (لِمَنْ شَاءَ) إلا في المرة الثالثة بخلاف ما ُيشعِر به ظاهر الرواية الأولى من أنه عند كل مرة بقوله: (لِمَنْ شَاءَ).
ولمسلم والإسماعيلي: قال في الرابعة: ((لِمَنْ شَاءَ)). وكأن المراد بالرابعة قوله: ((لِمَنْ شَاءَ)). فأطلق بعضُهم عليها رابعةً باعتبار مطلق القول. وبهذا يوافق رواية البخاري. وقد تقدم في العلم حديثُ أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً وكأنه قال بعد الثالثة: (لِمَنْ شَاءَ) ليدل على أن التكرار لتأكيد الاستحباب.
وقال ابن الجوزي: فائدةُ هذا الحديث أنه يجوز أن يُتَوهَّم أن الأذان للصلاة، ويمنع أن تُفعل سوى الصلاة التي أُذِّن لها، فبيَّن أن التطوع بين الأذان والإقامة جائز. وقد صح ذلك في الإقامة كما سيأتي. ووقع عند أحمد: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت)). وهو أخص من الرواية المشهورة: ((إلا المكتوبة)). انتهى.
فيه: جواز الصلاة بين كل أذانين يعني بين الإقامة والأذان.
قال العيني: والحاصلُ أن الوصل بينهما مكروه، لأن المقصود بالأذان إعلام الناس بدخول الوقت ليتأهبوا للصلاة بالطهارة فيحضروا المسجد لإقامة الصلاة، وبالوصل ينتفي هذا المقصود.
ثم اختلف أصحابنا في حد الفصل، فذكر التمرتاشي في «جامعه» : أن المؤذن يقعد مقدار ركعتين أو أربع أو مقدار ما يفرغ الآكلُ من أكله والشارب من شربه والحاقنُ من قضاء حاجته. وقيل: مقدارَ ما يقرأ عشر آيات ثم يثوب ثم يقيم. كذا في «المجتبى». وفي «شرح الطحاوي» : يفصِل بينهما مقدارَ ركعتين يقرأ في كل ركعةٍ نحواً من عشرِ آيات، وينتظر المؤذن الناس ويقيم للضعيف المستعجل ولا يَنتظر رئيسَ المحلة وكبيرَها فهذا كله إلا في صلاة المغرب عند أبي حنيفة، لأن تأخيرَها مكروه فيكتفي بأدنى الفصل وهو سكتة يسكت قائمًا ساعة ثم يقيم.
فإن قلتَ: ما مقدار السكتة عنده؟ قال العيني: قدْر ما يتمكن فيه من قراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة. وروي عن أبي حنيفة: مقدار ما يخطو لثلاث خطوات. وقال أبو يوسف ومحمد: يفصل بينهما بجلسة خفيفة مقدار الجلسة بين الخطبتين. ومذهب الشافعي ما ذكره النووي فإنه قال: يُستحب أن يفصل بين أذان المغرب وإقامتها فصلاً خفيفاً بقعدةٍ أو سكوت ونحوهما، وهذا لا خلاف فيه عندنا. ونقل صاحب «الهداية» عن الشافعي أنه يفصِل بركعتين اعتباراً بسائر الصلوات. قال العيني: وفيه نظر. انتهى.
قلتُ: من قال فيه نظر مَا له نظر. وكيف يكون فيه نظر وقد ثبت الأمر بهما في الحديث الصحيح. انتهى.
وقال أحمد: يفصِل بينهما بصلاة ركعتين في المغرب اعتبارًا بسائر الصلوات، واحتج بالحديث المذكور.
قال العيني: روى الدارقطني ثم البيهقي في «سننيهما» عن حيان بن عبيد الله العدوي حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: