للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

صُلِّيَت من كثرة من يصليهما. وقال الكِرماني: وفي بعض الروايات: <وهي كذلك>، بدل: (وَهُمْ)، والأمران جائزان في ضمير العقلاء، نحو: الرجال فَعَلَتْ وفعلوا.

قوله: (وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا) أي الأذان والإقامة.

قوله: (شَيْءٌ) التنوين فيه للتعظيم أي لم يكن بينهما شيء كثير.

قال شيخنا: وبهذا يندفع قول من زعم أن الرواية المعلقة معارِضةٌ للرواية الموصولة بل هي مبيِّنةٌ لها، ونَفيُ الكثير يقتضي إثباتَ القليل، وقد أخرجها الإسماعيلي موصولةً من طريق عثمان بن عمر عن شعبة بلفظ: وكان بين الأذان والإقامة قريبٌ. ولمحمد بن نصر من طريق أبي عامر عن شعبة نحوه.

قال العيني: يدل عليه ما رواه عثمان بن جَبَلة وأبو داود عن شعبة: ولم يكن بينهما إلا قليل. وقال ابن المنير: يُجمع بين الروايتين بحمل النفي المطلق على المبالغة مجازاً، والإثباتِ القليل على الحقيقة. وقال الكِرماني: وجه الجمع بينهما أن هذا خاص بأذان المغرب وذاك عام، والخاص إذا عارض العام يخصصه عند الشافعية، سواء عُلِم تأخرُه أم لا، والمراد بقوله: ((كُلِّ أَذَانَيْنِ)) غير أذان المغرب.

وحمل بعضُ العلماء حديثَ الباب على ظاهره فقال: دل قوله: (وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ) على أن قوله: ((بين كل أذانين صلاة)) مخصوص بالمغرب، فإنهم لم يكونوا يصلون بل كانوا يَشرعون في الصلاة في أثناء الأذان ويفرغون مع فراغه. قال: ويؤيد ذلك ما رواه البزار من طريق حيان بن عبيد الله - أي بفتح الحاء المهملة والياء آخر الحروف المشددة - عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مثل الحديث الأول، زاد في آخره: ((إلا المغرب)).

وفي قوله: ويَفرغون مع فراغه. نظرٌ، لأنه ليس في الحديث ما يقتضيه، ولا يلزم من شروعهم في أثناء الأذان ذلك. وأما رواية حيان فقد ذكرنا أنها شاذةٌ خالف فيها الحفاظُ من أصحاب بريدة في إسناد الحديث ومتنه، وقد وقع في بعض طرقِه عند الإسماعيلي: وكان بُريدة يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب. فلو كان استثناءً محفوظاً لم يخالفه بريدة راويه. وقد نقل ابن الجوزي عن الفلاس ما قدمناه في حيان.

وقال القرطبي وغيرُه: ظاهرُ حديث أنس أن الركعتين بعد الغروب وقبل صلاة المغرب كان أمراً قَرَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه عليه وعملوا به حتى كانوا يستبِقون إليه، وهذا يدل على الاستحباب وكأنَّ أصلَه قولُه صلى الله عليه وسلم: ((بين كل أذانين صلاة))، وأما كونه لم يصليهما فلا ينفي الاستحباب بل يدل على أنهما ليسا من الرواتب.

وإلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث ورُوي عن ابن عمر قال: ما رأيتُ أحدًا يصليهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال النخعي: إنها بدعة. وروي عن الخلفاء الأربعة وجماعةٍ من الصحابة أنهم كانوا لا يصلونهما، وهو قول مالك والشافعي.

وادعى بعض المالكية نسخَهما فقال: إنما كان ذلك في الأوَّل حيث نهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس فبيَّن لهم بذلك وقتَ

<<  <   >  >>