الجواز ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها، فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرِها لكان ذريعةً إلى مخالفة إدراكِ أولِ وقتِها. وتُعُقِّبَ بأن دعوى النسخ لا دليل عليها والمنقول عن ابن عمر رواه أبو داود من طريق طاوس عنه، ورواية أنس المثبِتة مقدَّمةٌ على نفيه.
والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعي عنهم، وهو منقطعٌ ولو ثبت لم يكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة، وسيأتي في باب التطوع أن عقبة بن عامر سئل عن الركعتين قبل المغرب فقال: كنا نفعلهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له: فما يمنعك الآن؟ قال: الشغل. فلعل غيره أيضاً منعه الشغل. وقد روى محمد بن نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما.
قال شيخنا: وأما قول أبي بكر بن العربي: اختلف فيها الصحابة ولم يفعله أحدٌ بعدهم. فمردود بقول محمد بن نصر: وقد روينا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون ركعتين قبل المغرب. ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن بريدة ويحيى بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن مالك، ومن طريق الحسن البصري أنه سئل عنهما فقال: حسنتين واللهِ لمن أراد الله بهما. وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: حق على مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين. وعن مالك قولٌ آخر باستحبابهما.
وعند الشافعية وجهٌ رجحه النووي ومَن تبِعَهُ، وقال في شرح مسلم: قولُ من قال إنَّ فعلَهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها لخيال فاسد منابِذٍ للسنة، ومع ذلك فزمُنُهُما زمنٌ يسير لا يتأخر به الصلاة عن أول وقتها، ومجموعُ الأدلة يُرشِد إلى استحباب تخفيفِهما كما في ركعتي الفجر. قيل: والحكمةُ في الندب إليهما رجاءُ إجابةِ الدعاء، لأن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُرَدُّ، وكلما كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر.
قال شيخنا: واستدل بحديث أنس على امتداد وقتِ المغرب وليس بواضح. انتهى.
قوله: (قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ) أي بفتح الجيم والباء الموحدة، ابنُ أبي رواد، ابنُ أخي عبد العزيز ابن أبي رواد، واسمه: ميمون الأزدي، مولاهم البصري، ترجمته في باب إذا ألقي على ظهر المصلي قَذَرٌ أو جيفة.
قوله: (وَأَبُو دَاوُدَ) أي سليمان بن داود الطيالسي، وهو من أفراد مسلم، ويقال: أبو داود هذا: عمر بن سعيد الحَفْري الكوفي، أي بفتح الحاء المهملة والفاء وحَفْر موضعٌ بالكوفة، وهو أيضاً من أفراد مسلم.
قوله: (عَنْ شُعْبَةَ) أي ابن الحجاج.
قوله: (لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا قَلِيلٌ) قال الكِرماني (١) : الظاهر أنه تعليقٌ منه، لأن البُخاري كان ابنَ عشرة عند وفاة الطيالسي.
قال شيخنا: لم تصل لنا روايةُ عثمان بن جبلة إلى الآن، وزعم مغلطاي ومن تبعه أن الإسماعيلي وصلها في «مستخرجه» وليس كذلك، لأن الإسماعيلي إنما أخرجه
(١) ((الكرماني)) ليس في (الأصل)، والصواب إثباته.