للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَبى فليُقاتِلْهُ؛ فإنَّ مَعَهُ القَرِيْنَ))، وعند ابن ماجه: ((فإنَّ مَعَهُ القَرِيْنَ) وقال المُنْكَدِري: ((فإنَّ مَعَهُ العُزَّى) وقيل: معناه: إنَّما هو فعل الشَّيطان؛ لشغل قلب المصلِّي كما يخطر الشَّيطان بين المرء ونفسه.

وقال ابن بطَّال: في هذا الحديث جواز إطلاق لفظ الشَّيطان على من يفتن في الدِّين، وأنَّ الحكم للمعاني دون الأسماء؛ لاستحالة أن يصير المارُّ شيطانًا بمجرَّد مروره. قال شيخنا: وهذا مبنيٌّ على لفظ الشَّيطان، يُطلق حقيقة على الجنِّي ومجازًا على الإنسي، وفيه بحث واستنبط ابن أبي جمرة من قوله: (فإنَّما هو شَيْطَانٌ) أنَّ المراد بقوله: (فَلْيُقَاتِلْهُ) المدافعةُ اللطيفة، لا حقيقة القتال، قال: لأنَّ مقاتلة الشَّيطان إنَّما هي بالاستعاذة والتستر عنه بالتسمية ونحوها، وإنما جاز الفعل اليسير في الصَّلاة للضرورة، فلو قاتله حقيقة المقاتلة لكان أشدّ على صلاته من المارِّ، قال: وهل المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلِّي من المرور، أو لدفع الإثم عن المارِّ؟ الظَّاهر الثاني. انتهى. وقال غيره: بل الأوَّل أظهر؛ لأنَّ إقبال المصلِّي على صلاته أولى له من اشتغاله بدفع الإثم عن غيره، وقد روى ابن أبي شَيْبَة عن ابن مسعود: ((أنَّ المرورَ بينَ يَدَي المصلِّي يَقطَع نِصفَ صَلاتِه) وروى أبو نُعَيم عن عمر: ((لَو يعلمُ المصلِّي ما ينقُصُ مِنْ صلاتِه بالمرورِ بينَ يَدَيهِ ما صلَّى إلَّا إلى شَيءٍ يَستُرهُ مِنَ الناسِ))، فهذان الأثران يقتضيان أن الدفع لخلل يتعلَّق بصلاة المصلِّي ولا يختص بالمارِّ، وهما وإن كانا موقوفين لفظًا فحكمهما حكم الرفع؛ لأنَّ مثلهما لا يقال بالرأي. انتهى.

قلت: وما المانع من أن يكون الدفع لخلل يقع في صلاته ولدفع الإثم عن المارِّ؟ لأنَّه ورد أنَّ عليه إثم كما ورد أنَّ المرور يقطع نصف الصَّلاة. انتهى.

فيه اتِّخاذ السترة للمصلِّي وزَعَمَ ابن العربيِّ أنَّ النَّاس اختلفوا في وجوب وضع السترة بين يدي المصلِّي على ثلاثة أقوال:

الأوَّل: إنَّه واجب، فإن لم يجد وضع خطًّا، وبه قال أحمد، كأنَّه اعتمد حديث ابن عُمَر الذي صححه الحاكم: ((لا تصلُّوا إلَّا إلى سترةٍ، ولا تدعْ أحدًا يمرُّ بينَ يديكَ))، وعند أبي نُعَيم في كتاب «الصَّلاة» : حدَّثنا سُلَيمان - أظنُّه عن حُمَيْد بن هلال - قال عُمَر بن الخطَّاب: ((لو يعلمُ المصلِّي ما ينقصُ)) الحديثَ المتقدِّم.

الثاني: إنَّها مستحبَّة، ذهب إليه أبو حنيفة ومالك والشافعي.

والثالث: جواز تركها، روي ذلك عن مالك، قال العَيني: قال أصحابنا - أي الحنفيَّة -: الأصل في السترة إنَّها مستحبَّة، وقال إبراهيم النخعيُّ: كانوا يستحبُّون إذا صلَّوا في الفضاء أن يكون بين أيديهم ما يسترهم، وقال عطاء: لا بأس بترك السترة، وصلَّى القاسم وسالم في الصَّحراء إلى غير سترة، ذكر ذلك كلَّه ابن أبي شَيْبَة في «مصنَّفه»، واعلم أنَّ الكلام في هذا على عشرة أنواع:

الأوَّل: أنَّ السترة واجبة أو لا، وقد مرَّ الكلام فيها الآن.

والثاني: مقدار موضع يكره المرور فيه قيل موضع سجوده، وهو اختيار شمس الأئمَّة السرخسي وشيخ الإسلام وقاضي خان، وقيل: مقدار صفَّين أو ثلاثة، وقيل: بثلاثة أذرع، وقيل: بخمسة أذرع، وقيل: بأربعين ذراعًا، وقدَّر الشَّافعي وأحمد بثلاثة أذرع، ولم يحدَّ مالك في ذلك حدًّا، إلَّا أنَّ ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد

<<  <   >  >>