مع أنه أخرج إسناده في «صحيحه» لكن لم يسق لفظَه، وكذا روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة فقال:((فاقضوا))، وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بلفظ:((فأتموا))، واختُلف أيضًا في حديث أبي قتادة، فروايةُ الجمهور، ((فأتموا))، ووقع لمعاوية بن هشام عن شيبان:((فاقضوا))، كذا ذكره ابن أبي شيبة عنه.
وأخرج مسلم إسناده في «صحيحه» عن ابن أبي شيبة فلم يسُقْ لفظهُ أيضًا، وروى أبو داود مثلَه عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: ووقعت في رواية أبي رافع عن أبي هريرة، واختُلِف في حديث أبي ذر، قال: وكذا قال ابنُ سيرين عن أبي هريرة: ((وليقض)). ورواية ابن سيرين عند مسلم بلفظ:((صلِّ ما أدركت واقضِ ما سَبَقَك))
والحاصل أن أكثر الروايات وَرَدَ بلفظ:((فأتموا))، وأقلَّها بلفظ:((فاقضوا))، وإنما تظهر فائدةُ ذلك إن جعلنا بين الإتمام والقضاء مغايرة لكن إذا كان مَخرجُ الحديث واحدًا واختُلِف في لفظةٍ منه وأمكن رَدُّ الاختلاف إلى معنًى واحدٍ كان أوْلى، وهنا كذلك، لأنَّ القضاء وإن كان يُطلَق على الفائت غالبًا لكن يُطلق على الأداء أيضًا. ويَرِدُ بمعنى الفراغ، كقوله تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا}[الجمعة: ١٠]، ويَرِدُ بمعان أُخَر، فيُحمَل قولُه هنا:((فاقضوا)) على معنى الأداء أو الفراغ فلا يُغايِرُ قولَه: ((فأتموا)).
فلا حجة فيه لمن تمسك برواية:((فاقضوا)) على أنَّ ما أدرك المأمومُ هو آخرُ صلاته حتى استُحِبَّ له الجهرُ في الركعتين الأخيرتين وقراءةُ السورة وتركُ القنوت، بل هو أوَّلُها وإن كان آخرَ صلاة إمامِه، لأن الآخِر لا يكون إلا عن شيءٍ تقدَّمَهُ، وأوضحُ دليلٍ على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهَّدَ في آخر صلاتِه على كل حال، فلو كان ما يدرِكُ مع الإمام آخِرًا له لَمَا احتاجَ إلى إعادة التشهد.
وقولُ ابنِ بطال إنه ما تشهد إلا لأجْلِ السلام لأنه يحتاج إلى سبْقِ التَشَهُّد. ليس بالجواب الناهضِ على دفع الإيراد المذكور، واستَدَلَّ ابنُ المنذر لذلك أيضًا أنهم أجمعوا على تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى، وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهورُ، فإنهم قالوا: إنَّ ما أدركه المأمومُ هو أولُ صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السور مع أم القرآن في الرباعية، لكن لم يَستَحِبُّوا له إعادة الجهرِ في الركعتين الباقيتين، وكأن الحجة فيه قول علي: ما أدركتَ مع الإمام فهو أوَّلُ صلاتك، واقض ما سبقك به من القرآن. أخرجه البيهقي.
عن إسحاق والمزني: لا يقرأ إلا أمَّ القرآن فقط، وهو القياس، واستُدِلَّ بحديث الباب على حصول فضيلة الجماعة بإدراك جزءٍ من الصلاة لقوله:((فما أدركتم فصلُّوا))، ولم يفصِّل بين القليل والكثير، وهذا قول الجمهور، وقيل: لا تُدرَك الجماعةُ بأقل من ركعةٍ للحديث السابق: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك))، وقياسًا على الجمعة، وقد قدَّمنا الجوابَ عنه في موضعه، وأنه وَرَدَ في الأوقات، وأنَّ في الجمعة حديثًا خاصًّا بها.
واستُدِلَّ به أيضًا على استحباب الدخول مع الإمام في أي حالة وُجِدَ عليها. وفيه حديثٌ أصرحُ منه أخرجه ابنُ أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع عن رجل من الأنصار مرفوعًا: ((من وجدني راكعًا أو قائمًا أو ساجدًا فليكن