الليل))، وحديث: ((عليك بخُوَيْصَةِ نفسِك))، وغيرِ ذلك. ثم إن الذي علله به هذا المعترِضُ غيرُ مُوفٍ بمقصودِه إذْ لا يَلزمُ من كونه يتعدى بنفسِه امتناعُ تعديته بالباء. إذا ثبت ذلك فيدل على أن فيه لُغتين. والله أعلم.
قال العيني: هذا القائل لم يَشَمَّ شيئًا من علم التصريف، ونفيُ الملازمةِ غيرُ صحيح. انتهى.
قلتُ: يقال للعيني رحمه الله ما قاله عن قريبٍ في حق الكِرماني: لو تأدَّبَ لأحسن في عبارته، وكلامُ شيخنا صحيح، لأن المتعدِّي بنفسه لا يمتنع تعديته مع الباء. انتهى.
فائدة: الحكمةُ في هذا الأمر تستفاد من زيادةٍ وقعت في مسلم من طريق علاء عن أبيه عن أبي هريرة فذكر نحوَ حديثِ البابِ وقال في آخره: ((فإنَّ أحدَكُم إذا كان يعمَد إلى الصلاة فهو في صلاة)) أي أنه في حكم المصلي فينبغي له اعتمادُ ما ينبغي للمصلي اعتمادُه واجتنابُ ما ينبغي للمصلي اجتنابُه.
قوله: (وَالوَقَارِ) قال عياض والقرطبي: هو بمعنى السكينةِ، وذُكِر على سبيل التأكيد. وقال النووي: السكينة: التأني في الحركات واجتنابُ العبث والوقارُ في الهيئة، كغضِّ البصر وخفضِ الصوت وعدم الالتفات.
قوله: (وَلَا تُسْرِعُوا) فيه زيادةُ تأكيد، ولا منافاة بينه وبين قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩]، وإن كان معناه يُشعر بالإسراع، لأن المراد بالسعي الذهابُ، يُقال: سعيتُ إلى كذا أي ذهبتُ إليه، والسعي أيضًا جاء بمعنى العملِ وبمعنى القصد.
ويستفاد من قوله: (وَلَا تُسْرِعُوا (١)) الذي هو لزيادة التأكيد الردُّ على من أوَّلَ قولَه في حديث أبي قتادة: ((لا تفعلوا)) أي الاستعجالُ المفضي إلى عدم الوقار، وأما الإسراعُ الذي لا ينافي الوقار كمن خاف فوت التكبيرة فلا، وهذا محكيٌّ عن إسحاق بن راهويه، وقد تقدمت رواية العلاء التي فيها: ((فهو في صلاة)) قال النووي: نبَّهَ بذلك على أنه لو لم يدرك من الصلاة شيئًا لكان محصِّلًا لمقصوده لكونه في صلاة، وعدمُ الإسراعِ أيضًا يستلزم كثرة الخُطا، وهو معنًى مقصوٌد لذاته وَرَدت فيه أحاديث كحديث جابر عندَ مسلم أَنَّ بكل خطوة درجة.
ولأبي داود من طريق سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار مرفوعًا: ((إذا توضأ أحدُكُم فأحسن الوُضوء ثم خرج إلى المسجد لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنةً، ولم يضع قدمه اليُسرى إلا حَطَّ الله عنه سيئة، فإنْ أتَى المسجدَ فصلَّى في جماعة غُفِر له، فإن أتى وقد صَلَّوْا بعضًا وبقي بعضٌ فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، وإن أتى المسجدَ وقد صلَّوْا فأتَمَّ الصلاة كان كذلك)).
قوله: (فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا) قال الكِرماني: الفاءُ جوابُ شرطٍ محذوفٌ، أي إذا بينتُ لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا. قال شيخنا: أو التقدير: إذا فعلتم فما أدركتم أي فعلتم الذي أمرتُكم به من السكينة وتَرْكِ الإسراع.
قوله: (وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) أي أكملوا، قال شيخنا: هذا هو الصحيح في رواية الزهري، ورواه عنه ابنُ عيينة بلفظ: ((فاقضوا))، وحَكَم مسلم في «التمييز» عليه بالوهم في هذه اللفظة،
(١) في (الأصل) : ((ولا تسعوا)) والصواب ((ولا تسرعوا)).