قليل، فغضبَ غضبًا شديدًا، لا أعلم أنِّي رأيُته غضب غضبا أشد منه، ثم قال:((لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس ثم أتَتَبَّع هذه الدور التي تخلف أهلوها عن هذه الصلاة فأضرمها عليهم بالنيران)).
وفي «كتاب» الطوسي مصحَّحًا: ((ثم آتي قومًا يتَخلَّفون عن هذه الصلاة فأحرق عليهم)) - يعني: صلاة العشاء -. وفي «مسند» عبد الله بن وهب: حدثنا ابن أبي ذئب حدثنا عجلان عنه: ((لينتهِيَنَّ رجالٌ مِن حول المسجد لا يشهدون العشاء أو لَأُحرِّقَنَّ بيوتهم)). وفي كتاب «الثواب» لحميد بن زنجويه: ((آمر رجالا في أيديهم حُزَمُ حطبٍ لا يؤتى رجلٌ في بيته سمع الأذان إلا أُضرِم عليه بيتُه)).
وفي «الأوسط» للطبراني: ((آمر رجالا إذا أقيمت الصلاة أن يتخلفوا دونَ من لا يشهد الصلاة فيُضرِموا عليهم بيوتهم))، قال:((ولو أنَّ رجلًا آذَنَ الناس إلى طعامٍ لأتَوه، والصلاةُ ينادَى بها فلا يأتوها)). وفي «معجمه الصغير» : ((ثم أنظر فمن لم يشهد المسجد فأحرق عليه بيته)). وفي كتاب «الترغيب والترهيب» لأبي موسى المديني الأصبهاني: خرج بعدما تهوَّر الليلُ وذهب ثلثه ثم قال: ((لو أن رجلًا نادَى الناسَ إلى عَرْقٍ أو مِرْمَاتَين أتوه لذلك، وهم يتخلفون عن هذه الصلاة)). وعند الدارقطني في «مسنده» : ((لو كان عَرْقًا سمينا أو مِغرَفتين لشهدوها)).
وفي «مصنف» عبد الرزاق - بسند صحيح -: ((لقد هممتُ أن آمر فتياني أن يجمعوا إليَّ حُزمًا من حطب ثم أنطلق فأحرق على قوم بيوتهم لا يشهدون الجمعة))، رواه عن جعفر عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة. ولِمَا رواه البيهقي من طريق أحمد بن منصور الرمادي عن عبد الرزاق قال: كذا قال: ((الجمعة))، وكذلك روي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود. والذي يدل سائر الروايات أنه عبَّر بالجمعة عن الجماعات. وروي في «المعجم الأوسط» عن ابن مسعود بالإطلاق من غير تقييدٍ بالجمعة، والذي فيه التقييدُ بالجمعة رواه السراج عن أبي الأحوص عن عبد الله.
قوله:(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) أي والله الذي نفسي بيده القدرة، وهو قَسَمٌ كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يُقسِم به.
قوله:(لَقَدْ هَمَمْتُ) جوابُ القسم، أكَّدَهُ باللام وكلمةِ «قد»، ومعنى:(هَمَمْتُ) أي قصدتُ، مِنَ الهَمِّ وهو العزمُ، وقيل: دونَه.
قوله:(فَيُحْطَبَ) بالفاء، وهو على صيغة المجهول، وهو رواية الكُشْمِيهَني. وفي رواية الحموي والْمُستملي: <لِيُحْطَبَ> باللام. ورواية الكُشْمِيهَني هو روايةُ الأكثرين وروايةُ «الموطأ» أيضًا، وقال الكِرماني: وفي بعض الرواية ((ليحطب)) بالنصب ولام كي وبالجزم ولام الأمر. وقال أيضًا:((ليحتطب)) أي ليُجمَع، يُقال: حطبتُ واحتَطبتُ إذا جمعْتُ الحطب.
وقال بعضُهم: ومعنى «يُحطَب» : يُكسر ليسهُل إشعالُ النارِ به. قال العيني: ليس المعنى كذلك، والمعنى: أن آمُرَ بحطب فيُحطب أي فيُجمع، وكذلك معنى:«يُحتَطب» كما ذكرناه، ولم يقل أحدٌ من أهل اللغة أي معنى يُحَطب: يُكسَر.
قوله:(ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ) الألف واللام فيها إن كانت للجنس فهو عام، وإن كانت للعهد ففي روايةٍ: أنها العِشاء، وفي أُخرَى: الفجرُ، وفي أُخرَى: الجمعة، وفي أخرى: يتخلفون عن الصلاة مطلقًا. ولا تضاد بينها؛ لجواز تعدُّدِ الواقعة، نعم إذا كان المرادُ الجُمعة فالجماعة شرط فيها، ومحل الخلاف إنما هو في غيرها.