وقال البيهقي: والذي يدل عليه سائر الروايات أنه عبَّر بالجمعة عن الجماعة، ونوزع فيه، لأن أبا داود والطبراني روَيَا من طريق يزيد بن يزيد بن جابر عن يزيد بن الأصم فَذَكَر الحديث. قال يزيد: قلتُ ليزيد بن الأصم يا أبا عوف الجمعة عَنَى أو غيرها؟ قال: صُمَّتْ أُذُناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يؤثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذَكَر جمعةً ولا غيرها. فظهر من ذلك أن الراجح في حديث أبي هريرة أنها غيرُ الجمعة، وظهر أن البيهقي وهِم في هذا، نعم جاء في حديث ابن مسعودٍ وأخرجه مسلم وفيه: الجزمُ بالجمعة، وهو حديث مستقل برأسه، ومَخْرَجُه مُغايرٌ لحديث أبي هريرة لا يَقدح أحدُهما في الآخر، لإمكان كونهما واقعتين كما أشرنا إلى ذلك عن قريب.
قوله:(فَيُؤَذَّنَ لَهَا) كذا هو باللام، أي أُعلِمَ الناس لأجلها، ويُروَى بالباء أي أعلمتُ بها. والهاءُ مفعول ثانٍ.
قوله:(ثُمَّ أُخَالِفَ) من باب المفاعَلة، قال الجوهري: قولهم: هو يخالف إلى فلان، أي يأتيه إذا غاب عنه. وقال الزمخشري: يقال: خالفني إلى كذا، إذا قصدَه وأنت مُوَلِّ عنه، قال تعالى {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ}[هود: ٨٨]، والمعنى: أخالفَ المشتغلين بالصلاة قاصدًا إلى بيوت الذين لم يخرُجوا عنها إلى الصلاة فأُحرقها عليهم. ويقال: معنى أخالفَ إلى رجال: أذهبَ إليهم. والتقييدُ بالرجال يُخرِج الصبيانَ والنساء.
قوله:(فَأُحَرِّقَ) بالتشديدِ مِنَ التحريق، والمراد به التكثيرُ، يقال: حَرَّقَه - بالتشديد - إذا بالغ في تحريقه، ويُروى:((فأُحْرِقَ)) من بابِ الإحراق، وروايةُ التَّشديد أكثرُ وأشهرُ.
قوله:(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) أَعَادَ يمينَه لأجل المبالغةِ في التهديد.
قوله:(عَرْقًا) بفتح العين المهملة وسكون الراء، جَمعُه عُراق، قال الأزهري في «التهذيب» : هي العظام التي يؤخذ منها هَبْرُ اللحم ويبقى عليها لحومٌ رقيقة طيِّبةٌ فتُكسر وتطبخ وتؤخذُ إِهالتُها من طُفاحتها ويؤكل ما على العظام من لحم رقيق ويُتَمَشَّشُ العظامُ، ولحمها من أطيب اللحوم عندهم. يقال: عَرَقتُ اللحمَ وتَعرَّقتُهُ وأَعْرَقْتُهُ، إذا أخذتَ اللحمَ منه نَهْشًا بأسنانك، وعظم معروق: إذا أُلقي عليه لحمُه أي قُشِر، والعُرام مثل العُراق، قاله الرياشي. وقال القُتيبي: سمعتُ الرياشي يروي عن أبي زيد أنه قال: قول الناس: ثريدةٌ كثيرة العُراقِ خطأ، لأن العُراقَ العظامُ.
وفي «الموعِب» لابن التياني عن ابن قتيبة: تسمى عُراقًا إذا كانت جرداءَ لا لحم عليها، وتسمى عُراقًا وعليها اللحم، وزعم الكلابي أن العَرْق العظمُ الذي أخذ أكثرُ ما بقي عليه، وبقي عليه شيء يسير. وعن الأصمعي: العَرْقُ بجزم الراء: الفِدرةُ من اللحم، وجمعُها عُراق وهو من الجمع العزيز. وحكى ابن الأعرابي في جمعه: عِراق بالكسر، وهو أقيس وفي «الْمُغرِب» : العَرْقُ العظم.
قوله (أَوْ مِرْمَاتَيْنِ) بكسر الميم وفتحها، وهي تثنية مِرماة، وقال الخليل: هي ما بين ظلفي الشاة. وحكاه أبو عبيد وقال: لا أدري ما وجهُه، ونقله المستملي في روايته في كتاب الأحكام عن الفَربري عن محمد بن سليمان