للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن البخاري قال: الْمِرماةُ - بِكسر الميم مثلُ مِنْسَاة ومِيضَاة -: ما بين ظلفي الشاة من اللحم. قال عياض: فالميم على هذا أصلية.

وقال الأخفش: الْمِرْماةُ لُعبة كانوا يلعبونها بنصال محدَّدة يرمونها في كومٍ من تراب، فأيُّهم أثبتها في الكَوْمِ غَلَب، وهي المرماة والمِدحاة. وحكى الحربي عن الأصمعي: أن المرماة سهمُ الهدف. ويؤيده ما حدثني، ثم ساق من طريق أبي رافع عن أبي هريرة بلفظ: ((لو أن أحدهم إذا شهد الصلاة معي كان له عظم من شاة سمينة أو سهمان لفعل)). وقيل: المرماةُ سهم يُتعلَّم عليه الرمي، وهو سهم دقيق مستٍو غير محدَّد.

وقال أبو سعيد: المِرماتان في الحديث سهمان يرمي بهما الرجل فيَحُوزُ سَبْقَه، يقول: سابَقَ إلى إحراز الدنيا وسَبْقِها ويَدَعُ سبق الآخرة.

فإن قلتَ: لِمَ وصف العَرْق بالسِّمَن والمِرماةَ بالحُسْنِ؟ قال العيني: ليكون الباعث النفساني في تحصيلها. وقال الطيبي: الحسنتين بدلٌ مِنَ المِرماتين إذا أريد بهما العظم الذي لا لحم عليه، وإن أريد بهما السهمان الصغيران فالحسنتين بمعنى الجيدتين، صفةٌ للمِرماتين، قال: والمضاف محذوف، يعني: في قوله: (لَشَهِدَ العِشَاءَ) أي صلاةَ العشاء، فالمعنى: لو عَلِمَ أنه لو حضر الصلاة لوجد نفعًا دنيويًا وإن كان خسيسًا حقيرًا لَحَضَرها، لقُصُور همته على الدنيا ولا يحضرها لما لها من مثوبات العُقبَى ونعيمها. انتهى.

استُدِلَّ بهذا الحديث: على أنَّ الجماعة فرض عين، وقال صاحب «التلويح» - أي مغلطاي -: اختُلِف في صلاة الجماعة هل هي شرطٌ في صحة الصلاة - كما قال داود بن علي وأحمد بن حنبل - أو فرض على الأعيان كما قاله جماعة من العلماء وجماعة من محدثي الشافعية ابنُ حِبَّان وابن خزيمة وابن المنذر وأبو ثور، وهو الصحيح عند أحمد، وقال في «شرح المهذب» : وقيل أنه قول للشافعي، وعن أحمد واجبةٌ ليست بشرط، وقيل: سنة مؤكدة كما قاله القُدُوري.

وفي «شرح الهداية» : عامة مشايخنا أنها واجبة، وقد سماها بعضُ أصحابنا سنةً مؤكدة. وفي «المفيد» : الجماعة واجبة، وتسميتُها سنةً لوجوبها بالسنة. وفي «البدائع» : إذا فاتته الجماعة لا يجب عليه الطلبُ في مسجد آخر بلا خلاف بين أصحابنا، لكن إن أتى مسجدًا يرجو إدراك الجماعة فيه فَحَسَنٌ، وإن صلى في مسجد حَيِّهِ فَحَسَن. وعن القُدُوري: يجمع بأهله.

وفي «التحفة» : إنما تجب على من قدِر عليها من غير حرج، وتسقط بالعذر فلا تجب على المريض ولا على الأعمى والزَّمِنِ ونحوِهم، هذا إذا لم يجد الأعمى والزَّمِن مَن يحمله، وكذا إن وَجَد عند أبي حنيفة، وعندهما يجب. وعن شرف الأئمة وغيرِه: ترْكُها بغير عذر يوجب التعزير ويأثم الجيران بالسكوت عن تاركها. وعن بعضهم: لا تُقبَل شهادتُه، فإن اشتغل بتكرار اللغة لا يُعذَر في ترك الجماعة وبتكرار الفقه أو مطالعته يُعذر، فإن تَرَكَها أهلُ ناحية قوتلوا بالسلاح.

وفي «الغنية» : يشتغل بتكرار الفقه ليلًا ونهارًا ولا يحضر الجماعة! لا يُعذر ولا نقبل شهادته. وقال أبو حنيفة: سها أو نام أو شغله عن الجماعة شغل جمعَ بأهله في منزله، وإن صلى وحده يجوز.

واختلف العلماء في إقامتها في

<<  <   >  >>