البيت، والأصح أنها كإقامتها في المسجد. وفي «شرح» خواهر زاده: هي سنةٌ مؤكدةٌ غاية التأكيد، وقيل: فرض كفاية وهو اختيار الطحاوي والكرخي وغيرهما وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية، وعليه جماهير المتقدمين مِن أصحابه، وقال به كثير من الحنفية والمالكية، والمشهورُ عند الباقين أنها سنة مؤكدة. وفي «الجواهر» عن مالك: هي سنة مؤكدة. وقيل: فرض كفاية.
استدل من قال بفرضية عينِها بحديث الباب، وقالوا: لو كانت فرض كفاية لكان قيام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابُه بها كافيًا، أو لو كانت سنةً فتارك السنة لا يحرق عليه بيتُه، إذْ سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهِمُّ إلا بحق. ويدل على وجوبها صلاةُ الخوف إذْ فيها أعمالٌ منافية للصلاة ولا يُعمل ذاك لأجل فرض كفايةٍ ولا سنة.
وبما في صحيح مسلم: أنَّ أعمى قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني المسجد، قال:((هل تسمع النداء؟)) قال: نعم، قال:((فأجب)) وخرَّجه أبو عبد الله في «مستدركه» من حديث عبد الرحمن بن عباس عن ابن أم مكتوم قلتُ: يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوامِّ والسِّباع، قال:((تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟)) قال: نعم، قال:((فَحَيَّهَلَا)). وقال صحيحُ الإسناد إن كان سمع من ابن أم مكتوم. وخرَّجه من حديث زائدة عن عاصم عن أبي رزين عن ابن أم مكتوم بلفظ: إني كبير شاسعُ الدار ليس لي قائد يلازمني فهل تجد لي من رخصة؟ قال:((تسمع النداء؟)) قلت: نعم، قال:((ما أجد لك رخصة)) قال الحاكم: وله شاهد بإسناد صحيح، فذَكَر حديث أبي جعفر الرازي عن حسين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شداد عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء فقال: - يعني ابن أم مكتوم -: ((لقد هممتُ أن آتي هؤلاء الذين يتخلفون عن هذه الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)) قال: فقلتُ: يا رسول الله لقد علمتَ ما بي... الحديث.
وعند أحمد: أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسجدَ فوجد في القوم رِقَّةً فقال: ((إني لأهِمُّ أن أجعل للناس إمامًا ثم أخرج فلا أقدر على إنسان يتخلفُ عن الصلاة في بيته إلا أحرقه عليه))، فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله إن بيني وبين المسجدِ نخلًا وشجرًا ولا أقدر على قائدٍ كلَّ ساعة، أيسعني أن أصليَ في بيتي؟ فقال:((أتسمع الإقامة؟)) قال: نعم، قال:((فأْتِها)). وأعلَّ ابنُ القطان حديثَ ابن أم مكتومٍ فقال: لأن الراوي عنه أبو رزين وابن أبي ليلى، فأما أبو رزين فإنَّا لا نعلم سِنَّهُ ولكنْ أكبرُ ما عنده من الصحابة عليٌّ رضي الله عنه، وابنُ أم مكتوم قُتل بالقادسية زمن عمر رضي الله عنه، وابنُ أبي ليلى مولدُه لِسِتٍّ بقين من خلافة عمر رضي الله عنه. انتهى.
قال صاحب «التلويح» مغلطاي: أما قوله: أبو رزين لا نعلم مولده. غيرُ جيد لأنَّ ابن حِبَّان ذَكَر أنه كان أكبر سِنًّا من أبي وائل، وأبو وائل قد عُلِم إدراكُه لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا لا ُتنكَر روايته عن ابن أم مكتوم.