الشيءِ فيُجعَلَ مثلين أو أكثر، والضِّعفُ بالكسر المثلُ.
قوله: (خَمْسةً وَعِشْرِينَ (١) ضِعْفًا) كذا في الروايات التي وقفنا عليها، وحكى الكِرماني وغيرُهُ أنَّ فيه: <خمسًا وعشرين>، ووجهه بتأويل الضعف بالدرجة أو الصلاة.
قال العيني: توضيحه أن (ضِعْفًا) مميز مذكر فتجب التاء فقيل بالتأويل المذكور، والأحسن أن يقول: إن وجوب التاء فيما إذا كان المميز مذكورًا، وإذا لم يكن مذكورًا يستوي فيه التاء وعدمها، وههنا مميز الخمس غير مذكور فجاز الأمران. انتهى.
قوله: (فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ) مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعةً وفرادى. قال ابن دقيق العيد: والذي يظهر أن المراد بمقابلِ الجماعةِ في المسجدِ الصلاةُ في غيره منفردًا، لكنه خرج مخرج الغالب في أنَّ من لم يحضر الجماعةَ في المسجد صلى منفردًا، وبهذا يرتفع الإشكال عمن استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق. انتهى.
ولا يلزم مِن حَمْلِ الحديث على ظاهره التسويةُ المذكورة إذْ لا يلزَمُ من استوائهما في المفضولية عن المسجد أن يكون أحدهما أفضل من الآخر، وكذا لا يلزم منه أنَّ كونَ الصلاة جماعةً في البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردًا، بل الظاهر أن التضعيف المذكورَ مختص بالجماعة في المسجد، والصلاةُ في البيت مطلقًا أولى منها في السوق لِمَا ورد من كون الأسواق موضع الشياطين، والصلاة جماعة في البيت والسوق أولى من الانفراد.
وقد جاء عن الصحابة قصرُ التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في المسجد العام مع تقرير الفضل في غيره. وروى سعيد بن منصور بإسنادٍ حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته؟ قال: حسن جميل. قال: فإن صلى في مسجد عشيرته؟ قال: خمس عشرة صلاة. قال: فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه؟ قال: خمس وعشرون. انتهى.
وأخرج حميد بن زنجويه في كتاب «الترغيب» نحوَه من طريق واثلة، وخص الخمس والعشرين بمسجد القبائل. قال: وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه - أي الجمعة - بخمسمئة. وسنده ضعيف.
قوله (وَذَلِكَ أَنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ) ظاهرٌ في أن الأمور المذكورة علةٌ للتضعيف المذكور إذ التقدير: «وذلك لأنه»، فكأنه يقول: التضعيفُ المذكور سبَبُه كيتَ وكيت. وإذا كان كذلك فما رُتِّبَ على موضوعات متعددة لا بوجود بعضِها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرًا أو ليس مقصودًا لذاته.
قال شيخنا: وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولةُ المعنى فالأخذ بها متوجه، والروايات المطلقة لا ُتنافيها بل يحمل مطلقُها على هذه المقيَّدة، والذين قالوا بوجوب الجماعة على الكفاية ذهب كثيرٌ منهم أن الحرج لا يسقط بإقامة الجماعة في البيوت، وكذا رُوي عن أحمد في فرض العين ووجَّهُوهُ بأن أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد وهو وصف معتبر لا ينبغي إلغاؤه فيختص به المسجد ويُلحق به ما في معناه مما يحصل به إظهار الشعائر.
(١) في (الأصل) : ((وعشرون))، والصواب: ((وعشرين)).