والذي يقع هو الذي يقتل ويجوز أن يُنْسب القتل إلى الفعل.
قوله: (والشَّهيْد في سَبيْل الله) هذا هو الخامس من الشهداء، قال الطيبي: فإنْ قلت خمسة خبر المبتدأ والمعدود هذا بيان له فكيف يصح في الخامس فإنَّه حمل الشيء على نفسه فكأنَّه قال الشهيد هو الشهيد؟ قلت هو من باب:
أنا أبو النَّجْم وشِعْري شِعْرِي
وقال الكرماني: الأولى أن يُقال المراد القتيل، فكأنَّه قال الشهيد كذا وكذا والقتيل في سبيل الله.
قلت: أما السرُّ في خصوصية هؤلاء المذكورين بهذه الكرامة مع أنَّ كثيراً من الأمراض أشدُّ ألماً من أمراضهم، فلعلنا نذكره في كتاب الجهاد إنْ شاء الله تعالى.
قوله: (إلا أنْ يَسْتَهِمُوا) أي إلا أن يقترعوا، وتقدم الكلام فيه في باب الاستهام في الأذان.
قوله: (ولو حَبْواً) الحبو: حبو الصغير على يديه ورجليه، وقال ابن الأثير: الحيوان يمشي على يديه وركبتيه أو استه، وحبا البعير إذا برك ثم زحف من الإعياء، وحبا الصغير إذا زحف على استه. فإنْ قلت بمَ انتصب حبواً؟ قال العيني: على أنَّه صفة لمصدر محذوف، أي لأتوهما ولو كان إتياناً حبواً، ويجوز أنْ يكون خبر كان المقدر والتقدير ولو كان إتيانكم حبواً. انتهى.
ذكر ما يستفاد من الحديث وهو على وجوه:
الأول: فيه إماطة الأذى عن الطريق وهي أدنى شعب الإيمان، فإذا كان الله يشكر عبده ويغفر له على إزالة غصن شوك من الطريق فلا يدري ماله من الفضل والثواب إذا فعل ما فوق ذلك.
الثاني: فيه بيان الشهداء؛ الشهيد عند الحنفية من قَتله المشركون، أو وجد في المعركة وبه أثر الجراحة، أو قتله المسلمون ظلماً ولم يجب بقتله دية قاله العيني. وعند مالك والشافعي وأحمد: الشَّهيد هو الذي قتله العدو غازياً في المعركة ثم الشهيد يكفن بلا خلاف، ولا يغسَّل.
وفي «المغني» : إذا مات في المعْتَرك فإنه لا يغسل رواية واحدة، وهو قول أكثر أهل العلم.
قال العيني: ولا نعلم فيه خلافاً إلا عن الحسن وابن المسيب فإنهما قالا: يغسل الشهيد ولا يعمل به. ويصلى به عند الحنفية، وهو قول ابن عباس وابن الزبير وعقبة بن عامر وعكرمة وسعيد بن المسيب والحسن البصري ومكحول والثوري والأوزاعي والمزني وأحمد في رواية واختارها الخلَّال، وقال مالك والشافعي وإسحاق: لا يُصلَّى عليه وهو قول أهل المدينة، وقال النووي في «شرح المهذب» : المذهب الجزم بتحريم الصلاة عليه، وقال ابن حزم: إنْ شاؤوا صلوا عليه وإن شاؤوا تركوها. وقال الكَرْمَاني: فإنْ قلت الشهيد حكمه أنْ لا يغسل ولا يصلى عليه وهذا الحكم غير ثابت في الأربعة الأُوَل باتفاق، قلت معناه أنه يكون لهم في الآخرة مثل ثواب الشَّهداء.
قالوا الش ((في الطاعون)) ليست في (الأصل) والاستدراك من عمدة القاري. هداء على ثلاثة أقسام: شهيد الدنيا والآخرة وهو من مات في قتال الكفار بسببه، وشهيد الآخرة دون أحكام الدنيا، وهم هؤلاء المذكورين، وشهيد الدنيا دون الآخرة وهو من قتل مدبراً أو غلَّ في الغنيمة،