أصل جميع الأعداد؛ لأنَّ أجزاءه هي عشرة، ومن العشرات المئات، ومنها الألوف، فلما أُريد التكثير ضُوعف كلٌّ إلى عشرة أمثاله. انتهى.
قال العَيني: غفل الكِرْماني عن رواية المائة حيث قصر في بيان الحكمة. قال بعضهم: في التنكيت على الكِرْماني: بأن هذه الرواية تشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر، لا لخصوص عدد معين. قال العَيني: لا ينافي رواية المائة عن بيان وجه الحكمة في الأربعين، بل ينبغي أن يطلب وجه الحكمة في كلِّ منهما؛ لأنَّ لقائل أن يقول: لم أطلق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر ولِمَ لَمْ يذكر الخمسين أو ستين أو نحو ذلك؟ والجواب الواضح الشافي في ذلك: أنَّ تعيين الأربعين للوجه الذي ذكره الكِرْماني، وأمَّا وجه ذكر المائة فما ذكره الطَّحاوي: إنَّه قيد بالمائة بعد التقييد بالأربعين لزيادة تعظيم الأمر على المار؛ لأنَّ المقام مقام زجر وتخويف وتشديد. فإن قلت: من أين علم أنَّ التقييد بالمائة بعد التقييد بالأربعين؟ قال العَيني: وقوعها معًا مستبعد؛ لأنَّ المائة أكثر من الأربعين، وكذا وقوع الأربعين بعد المائة؛ لعدم الفائدة، وكلام الشَّارع كلُّه حكمة وفائدة، والمناسبة أيضًا تقتضي تأخير المائة عن الأربعين. قال شيخنا: ومميز الأربعين إن كان هو السنة ثبت المدعى، أو ما دونها من باب إطلاق الأولى. انتهى.
فإن قلت: قد علم فيما مضى وجه الحكمة في الأربعين، فما وجه الحكمة في تعيين المائة؟ قال العَيني: المائة وسط بالنسبة إلى العشرات والألوف، وخير الأمور أوساطها، وهذا مما تفرَّد به العَيني كما قاله.
قال النَّوَوي: فيه دليل على تحريم المرور؛ فإنَّ معنى النَّهي الأكيد والوعيد الشديد يدلُّ على ذلك. انتهى. ومقتضى ذلك: أن يعدَّ المرور من الكبائر.
وفيه أخذ القرين على قرينه ما فاته واستثباته فيما سمع معه. وفيه الاعتماد على خبر الواحد؛ لأنَّ زيدًا اقتصر على النزول مع القدرة على العلو اكتفاء برسوله المذكور. وفيه استعمال لو في باب الوعيد، ولا يدخل ذلك في النهي؛ لأنَّ محلَّ النهي: أن يشعر بما يعاند المقدور كما سيأتي حيث أورده المصنِّف إن شاء الله تعالى.
تنبيهات:
أحدها: استنبط ابن بطَّال من قوله: (لَوْ يَعْلَمُ) أنَّ الإثم يختصُّ بمن يعلم بالنَّهي وارتكبه، قال شيخنا: وأخذه من ذلك فيه بعدٌ، لكن هو معروف من أدلَّة أخرى. قال العَيني: ليس فيه بعد؛ لأنَّ لو للشرط، فلا يترتب الحكم المذكور إلَّا عند وجوده.
ثانيها: ظاهر الحديث أنَّ الوعيد المذكور يختصُّ بمن مرَّ، لا بمن وقف عامدًا بين يدي المصلِّي أو قعد أو رقد، إن كانت العلَّة فيه التشويش على المصلِّي فهم في معنى المارَّ.
ثالثها: ظاهر عموم النَّهي في كلِّ مصلِّي، وخصَّه بعض المالكيَّة بالإمام والمنفرد؛ لأنَّ المأموم لا يضرُّه من مرَّ بين يديه؛ لأنَّ سترة إمامه له سترة له، أو إمامه سترة له. انتهى. قال شيخنا: والتعليل المذكور لا يطابق المدَّعى؛ لأنَّ السترة تفيد رفع الحرج عن المصلِّي لا عن