في الصَّلاة، كان لَأَن يقيمَ مائةَ عامٍ خيرٌ لهُ مِنَ الخطوةِ الَّتي خطَا))، وفي «الأوسط» للطبرانيِّ عن عبد الله بن عَمْرو مرفوعًا: ((إن الذي يمرُّ بين يدي المصلِّي عمدًا يتمنَّى يومَ القيامةِ إنَّه شجرةٌ يابسةٌ))، وفي «المصنَّف» عن عبد الحميد عاملِ عُمَر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال عليه السلام: ((لوْ يعلمِ المارُّ بينَ يدي المصلِّي ما عليهِ، لَأَحبَّ أنْ تنكسرَ فخذَه ولا يمرَّ بينَ يديه))، وقال ابن مسعود: المارُّ بين يدي المصلِّي أبغض من الممرِّ عليه. وكان إذا مرَّ أحد بين يديه التزمه حتَّى يردَّه. وقال ابن بطَّال: قال عُمَر رضي الله عنه: لكان يقوم حولًا خير له من مروره. وقال كعب الأحبار: لكان أن يخسف به خير له من أنْ يمرَّ بين يديه.
قال العَيني: قوله: (لكان) جواب لو، وكلمة (أن) مصدريَّة، والتقدير: لو يعلم المارُّ ما الذي عليه من الإثم من مروره بين يدي المصلِّي، لكان وقوفه أربعين خيرًا له من أن يمرَّ، أي من مروره بين يديه. وقال الكِرْماني: جواب لو ليس هو المذكور؛ إذ التقدير: لو يعلم ماذا عليه لوقف أربعين، ولو وقف أربعين لكان خيرًا له. قال العَيني: لا ضرورة إلى هذا التقدير، وهو تصرف فيه تعسُّف، وحقُّ التركيب ما ذكرناه. انتهى.
قال شيخنا: قوله: (خَيْرًا لَهُ) في روايتنا بالنَّصب على أنَّه خبر كان، ولبعضهم:((خَيْرٌ)) بالرفع، وهي رواية الترمذي، وأعربها ابن العربيِّ على إنَّها اسم كان، وأشار إلى أنَّ تسويغ الابتداء بالنكرة لكونها موصوفة، ويحتمل أن يقال: إنَّ اسمها ضمير الشأن، والجملة خبرها. انتهى.
قوله:(قَالَ أَبُو النَّضْرِ) قال الكِرْماني: إما من كلام مالك فهو مسند، وإما تعليق من البخاري، قال شيخنا: هو كلام مالك، وليس من تعليق البخاري؛ لأنَّه ثابت في «الموطأ» من جميع الطرق، وكذا ثبت في رواية النَّوَوي وابن عُيَيْنَة كما ذكرنا.
قوله:(أَقَالَ) الهمزة فيه للاستفهام، وفاعله بُسرٌ أو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، كذا قاله الكِرْماني، وقال العَيني: الظَّاهر إنَّه بُسر بن أبي أميَّة.
قوله:(لَا أَدْرِي أَقَالَ أَربَعِينَ يَومًا أَو شَهرًا أَو سَنَةً) لأنَّه ذكر العدد - أعني أربعين- ولا بدَّ له من مميِّز؛ لأنَّه لا يخلو عن هذه الأشياء، وقد أبهم ذلك ههنا، فإن قلت: ما الحكمة فيه؟ قال الكِرْماني: وأبهم الأمر؛ ليدلَّ على الفخامة، وإنَّه مما لا يُقادَر قَدْره ولا يدخل تحت العبارة. قال العَيني: الإبهام ههنا من الراوي، وفي نفس الأمر العدد معيَّن، ألا ترى كيف تعيَّن فيما رواه ابن ماجَهْ من حديث أبي هريرة:((لكانَ أنْ يقفَ مائةَ عامٍ)) الحديث كما ذكرنا؟ وكذا عين في «مسند البزَّار» من طريق سُفْيان بن عُيَيْنَة: ((لكان أن يقف أربعين خريفًا))، وقال الكِرْماني: فإن قلت: هل للتخصيص بالأربعين حكمة معلومة؟ قلت: أسرار أمثالها لا يعلمها إلَّا الشَّارع، ويحتمل أن يكون ذلك؛ لأنَّ الغالب في أطوار الإنسان أنَّ كمال كلِّ طور بأربعين كأطوار النطفة، فإنَّ كلَّ طور منها بأربعين، وكمال عدل الإنسان في أربعين سنة، ثمَّ الأربعة