لأنَّ من هذه صفته يكون له ملازمة للمساجد بقالبه، وأما عن قلبه فلا يخلو، وإن عرض لقالبه عارض، وهذا أيضا يدل على فضل المساجد.
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضاً في الزكاة عن مسدد، وفي الرقاق عن محمد بن بشار، وفي المحاربين عن محمد بن سلام. وأخرجه مسلم في الزكاة عن زهير بن حرب، ومحمد بن المثنى وعن يحيى بن يحيى عن مالك. وأخرجه الترمذي في الزهد عن سَوَّارُ بن عبد الله العنبري ومحمد بن المثنى وعن إسحاق بن موسى. وأخرجه النسائي في القضاء وفي الرقاق عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك به.
قوله: (سَبْعَةٌ) أي: سبعة أشخاص، وإنما قدرنا هكذا ليدخل فيه النساء، والأصوليون ذكروا أنَّ أحكام الشرع عامة لجميع المكلفين، وحكمه على الواحد حكم على الجماعة إلا ما دل الدليل على خصوص البعض، فإن قلت: ما وجه التخصيص بذكر هذه السبعة؟
قال العيني: التنصيص بالعدد في شيء لا ينفي الحكم عما عداه، وقال الكرماني: وأما التخصيص بذكر هذه السبعة فيحتمل أن يقال فيه: ذلك لأن الطاعة إما تكون بين العبد وبين الله أو بينه وبين الخلق، والأول: إما أن يكون باللسان أو بالقلب أو بجميع البدن، والثاني: إما أن يكون عاماً وهو العدل، أو خاصاً وهو إما من جهة النفس وهو التحاب أو من جهة البدن، أو من جهة المال. انتهى.
قال العيني: أراد كونه باللسان الذكر، وأراد كونه بالقلب هو المعلق بالمسجد، وأراد بجهة جميع البدن في الصورة الخاصة هي: العفة. انتهى.
قال شيخنا: ظاهر الحديث اختصاص السبعة بالثواب المذكور.
وقد نظم السبعة العلامة أبو شَامَة عبد الرحمن بن إسماعيل فيما أنشدناه أبو إسحاق التَّنوخي إذناً عن أبي الهدى أحمد بن أبي شامة عن أبيه سماعاً من لفظه قال:
وقال النبي المصطفى إنَّ سبعة... يظلُّهُم الله العظيم بظله
محبٌّ عفيف ناشئ متصدق... وبَاكٍ مصَلٍّ والإمام بعدله
ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر مرفوعاً: ((من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))، وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية فدل على أن العدد المذكور لا مفهوم له وقد ألقيت هذه المسألة على العالم شمس الدين الرازي المعروف بالهروي لما قدم القاهرة، وادعى أنه يحفظ صحيح مسلم، فسألته بحضرة الملك المؤيد، أيٌّ شيخ عن هذا وعن غيره فما استحضر في ذلك شيئاً قلت: ومن ثمَّ نظر الملك المؤيد لشيخنا بعين التعظيم فلم يزل مقرباً رحمه الله. انتهى.
قال شيخنا: ثم تتبعت بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك فزادت على عشر خصال، وقد انتقيت منها سبعة وردت بأسانيد جياد ونظمتها في بيتين تذييلا على بيتي أبي شامة وهما
وزد سبعة إظلال غازٍ وعونه... وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله