يكون أبعد من الرياء، وقيل: خالياً من الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملأ، ويؤيده رواية البيهقي: ((ذكر الله بين يديه)) ويؤيد الأول رواية ابن المبارك وحماد بن زيد: ((ذكر الله في خلاء)) أي: في موضع خال وهو أصح.
وقال شيخنا: ذكر الله أي بقلبه من التذكر أو لسانه من الذكر. انتهى.
قال العيني: ليس كذلك فإنَّ الذكر بالقلب من الذكر بضم الذال، وباللسان من الذكر بكسر الذال وأيضاً لفظ ذكر ثلاثي لا يكون مشتقاً من التذكر فمن له يد في علم التصريف يفهم هذا. انتهى.
قال شيخنا: انظر وتعجب أي من قول العيني لأنَّ العيني أثبت أولاً الذكر بالقلب ثم جعله مشتقاً من الذكر بضم الذال وذلك بعد قوله ليس كذلك، فإن ْكان مراده أنَّ الذاكر بقلبه مع الفيض بعينه لا يعطى هذا الفضل فهو عجيب، مع أن الذكر بالقلب عمل، والمطلوب ذكر القلب.
حتى قال بعض العارفين: اعلم أنَّ المطلوب من الذكر ذكر القلب، وإنما جعل ذكر اللسان طريقاً إليه ممن لازم ذكر الله بلسانه مخلصاً وصلت بركة الذكر إلى قلبه فعاش قلبه بذكر الله فيصير محمولاً بعد أن كان حاملاً. انتهى.
قوله: (ففَاضَتْ عَيْنَاه) إنما أسند الفيض إلى العين مع أن العين لا تفيض، لأنَّ الفائض هو الدمع، مبالغة كأنها هو الفائض، وذلك كقوله: {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة: ٨٣].
قال القرطبي: وفيض العين بحسب حال الذاكر وبحسب ما يكشف له، ففي حال أوصاف الجلال يكون البكاء من خشية الله وفي حال أوصاف الكمال يكون البكاء من الشوق إليه،
ويشهد للأول ما رواه الجَوْزَقِي في رواية حماد بن زيد: ((ففاضت عيناه من خشية الله)) ومثله في رواية البيهقي، ويشهد له ما رواه الحاكم من حديث أنس مرفوعاً: ((من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة)). انتهى.
قلت: فإنْ قال هل يتأتى العبد في حال وصاله البكاء، وإذا تَأتَّى ذلك فهل يكون بكاؤه حال جلال أو حالة كمال؟
فأقول: إنْ قصر نظره عن التلفت إلى ما فاته من محبوبه منْ ما لم ينله بعد فإن حالة الوصال لا تنتهي، واستشعر خوف البعد بعد الوصل فبكى يكون من خشية الله، وإن تلفت إلى ذلك فبكى يكون بكاؤه شوقاً إلى الله. انتهى.
وفي الحديث فضيلة الإمام العادل، وقد روي عن ابن عباس: ((ما أخر قوم العهد إلا سلط عليهم العذاب، وما نقص قوم المكيال إلا منعوا القطر، ولا كثر الزنا في قوم إلا سلط عليهم الوباء، وما حكم قوم بغير حق إلا سلط عليهم إمام جائر))، فالإمام العادل يصلحه الله به،
وفيه: فضيلة الشاب الذي نشأ في عبادة ربه، وفي الحديث: ((يعجب ربك من شاب ليست له صَبْوَة)) وفيه: فضل منْ سلم من الذنوب واشتغل بطاعة ربه طول عمره. وقد يحتج به من قال إنَّ الملَك أفضل من البشر لأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وقيل لابن عباس: رجل