للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في استنباط (١) الأحكام من النصوص، وليس ذلك بالتحسيس من الخارج. انتهى.

قلت: لا شك في قوة شيخنا في استنباط الأحكام من النصوص، ومن تأمل سياق كلامه في هذا الباب وفي الباب الذي قبله علم ذلك، وغالب ما قاله العَيْني رحمه الله متعقِّباً به كلامَ شيخنا فيه نظر، غيرَ أنه أطال وبِرَدِّه يطول الأمرُ لكن نُنَبِّه بشيءٍ يدل على ذلك، قال شيخنا عقب قوله لأن ابن بُحَيْنة سلَّم من صلاتِه قطعاً ثمَّ دخل في الفرض: ويدل على ذلك حديث قيس بن عمر، والذي أخرجه أبو داود وغيره أنه صلى ركعتين الفجر بعد الفراغ من صلاة الصبح متصلاً بها فدل على أن الإنكار على ابن بُحَيْنة إنما كان للتنفيل حالَ صلاةِ الفرض، وهو موافق لعموم حديث الترجمة، وقال ابن عبد البرِّ وغيرُه: الحجة عند التنازع للسنة فمن أولى بها فقد أفلح، وتَركُ التنفل عند إقامة الصلاة ويداركها (٢) بعد قضاء الفرض أقرب إلى اتباع السنة، ويتأيد ذلك من حيث المعنى بأن قوله في الإقامة: حيَّ على الصلاة معناه هلموا إلى الصلاة، أي التي تقام لها، فأسعد الناس بامتثال هذا الأمر من لم يتشاغل عنه بغيره.

وقال النووي: الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع عقب شروع الإمام، والمحافظةُ على مكملات الفريضةِ أولى من التشاغل بالنافلة، وهذا يليق بقول من يرى بقضاء النافلة ومن ثَم قال من لا يرى بذلك إذا علم أنه يدرك الركعة الأولى مع الإمام، وقال بعضهم: الأخيرة، لم يكره له التشاغل بالنافلة بشرط الأمن من الالتباس كما تقدَّم، والأولُ عن المالكية والثاني عن الحنفية ولهم في ذلك سلفٌ عن ابن مسعودٍ وغيرِه، وكأنهم لما تعارض عندهم الأمرُ بتحصيل النافلة والنهي عن إيقاعها في تلك الحال جمعوا بين الأمرين بذلك. انتهى.

فانظر -رحمك الله- إلى هذه العبارةِ التي جمع شيخنا فيها جُمَلاً مما قدمناه بأوجز مقالةٍ وألطف إشارةٍ وقال أيضاً واستدل بعموم قوله: ((فلا صلاة إلا المكتوبة)) لمن قال بقطع النافلة إذا أقيمت الفريضةُ، وقد قدمنا أنه قول الظاهرية، قال: وبه قال أبو حامد - أي الغزالي- وغيرُه من الشافعية، وخص آخرون النهيَ بمن ينشئ النافلةَ عملاً بقوله {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:٣٣]، وقيل: يُفَرَّقُ بين من يخشى فوْت الفريضة في الجماعة فيقطَعُ وإلا فلا، واستدل بقوله: التي أقيمت، بأن المأموم لا يصلي فرضاً ولا نفلاً خلف من يصلي فرضاً آخر كالظهر مثلاً خلف من يصلي العصر، وإن جازت إعادةُ الفرض خلف من يصلي ذلك الفرض. انتهى.

الوجه الثالث: أن قوله في الترجمة (إِلَّا المَكْتُوبَةَ) أي المفروضة، يشمل الحاضرةَ والفائتة كما تقدَّم، ولكن المراد الحاضرة، وصرح بذلك أحمد والطَّحاوي من طريقٍ أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقد تقدم عن قريب.

قوله:


(١) كذا في (الأصل) : ((الاستنباط)) والصواب ((استنباط)).
(٢) كذا في (الأصل) : ((يداركها)) ولعلها ((تداركها)).

<<  <   >  >>